على تقدير كونها مبتلة ويمسح بها ، تدفع اعتبار الجفاف التقديري بإطلاقها ، لأنها واردة في حق عامّة المكلّفين على اختلاف أمزجتهم وأمكنتهم ، واختلاف أماكن وضوئهم وأزمنته ، فقد دلّتنا على أن اللحية إذا لم تجف وكانت مبتلة وأمكن أخذ البلّة منها حكم بصحة الوضوء ، وإن كانت بقاء الرطوبة فيها من جهة برودة الهواء وعدم اعتداله ، بحيث لو كان الهواء معتدلاً لجفّت.
الأمر الثاني : قد أسلفنا أن جفاف الأعضاء المتقدمة إذا استند إلى التأخير والإبطاء فالوضوء محكوم وقتئذٍ بالبطلان بمقتضى الصحيحة والموثقة ، وأما إذا جفت من دون استناد الجفاف إلى التأخير كما إذا استند إلى حرارة البدن أو الهواء ، فقد ذكرنا أن مقتضى الإطلاقات صحته ، فاذا جفت أعضاؤه لا لأجل التأخير وحكمنا بصحّة وضوئه كما عرفت ، فهل يجب أن يأتي بالبقية من دون فصل أو له أن يتأخّر بعد ذلك ساعة أو ساعتين أو أكثر ثم يأتي ببقية أفعال الوضوء؟
الصحيح وجوب الإتيان بالبقية من دون إبطاء على نحو يصدق التبعيض لدى العرف ، لأن المستفاد من التعليل الوارد في ذيل الموثقة « فإنّ الوضوء لا يبعّض » أن الوضوء عمل وحداني غير قابل للتبعيض ، وهذه الكبرى وإن كانت قد طبقت على مورد الرواية وهو ما إذا حصلت اليبوسة للتأخير ولم تطبق على غيره كما إذا حصلت اليبوسة لحرارة الهواء مثلاً ، إلاّ أن كل مورد صدق عليه عنوان التبعيض لدى العُرف يشمله تعليل الرواية لا محالة ، وعليه فيعتبر في صحة الوضوء أحد أمرين :
أحدهما : أن لا تجف الأعضاء المتقدمة من جهة التأخير والإبطاء.
وثانيهما : أن لا يتخلّل الفصل بين أجزائه وأفعاله بمقدار يتحقق به التبعيض لدى العرف ، فاذا جفت أعضاء المتوضئ لحرارة الهواء فليس له أن يتأخر بمقدار يتحقق به التبعيض في الوضوء ، وهذا هو المراد بقولنا في أوائل المسألة أن الوضوء يعتبر فيه أحد أمرين كما عرفت ، هذا.
ثم إنه ورد في صحيحة حريز : « في الوضوء يجف ، قال قلت : فان جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه ، قال : جفّ أو لم يجف اغسل ما بقي ، قلت : وكذلك غسل الجنابة