قال هو بتلك المنزلة وابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك ، قلت : وإن كان بعض يوم قال : نعم » (١).
وهي تعارض الموثقة والصحيحة المتقدمتين ، لدلالتها على عدم بطلان الوضوء بجفاف الأعضاء المتقدمة ، ومن هنا جمع بينها وبين الروايتين الشيخ قدسسره (٢) جمعاً دلالياً بحمل مطلقهما على مقيدهما ، بدعوى أن صحيحة حريز مطلقة ، لدلالتها على عدم بطلان الوضوء بجفاف الأعضاء المتقدمة مطلقاً سواء استند إلى التأخير أم إلى شيء آخر من حرارة الهواء أو الريح الشديد ، والموثقة والصحيحة دلتا على بطلان الوضوء من جهة خصوص الجفاف المستند إلى التأخير ، فهما أخص من صحيحة حريز ، ومقتضى قانون الإطلاق والتقييد تقديم الدليل المقيد والأخص وتقييد المطلق به ، ونتيجة ذلك في المقام هو الحكم ببطلان الوضوء بجفاف الأعضاء المتقدمة عند استناده إلى التأخير ، بخلاف الجفاف غير المستند إليه.
وقد جمع قدسسره بينهما مرة أُخرى بحمل الصحيحة على التقيّة ، لأن مذهب كثير من علماء العامّة عدم اعتبار الموالاة في الوضوء وعدم بطلانه بجفاف الأعضاء المتقدِّمة (٣).
__________________
(١) الوسائل ١ : ٤٤٧ / أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٤.
(٢) لاحظ التهذيب ١ : ٨٨ ، الاستبصار ١ : ٧٢.
(٣) في الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ٦٢ ، ٦٥ : أن الشافعية والحنفية قالوا إن الموالاة سنة فيكره التفريق بين الأعضاء إذا كان يغير عذر ، أما للعذر فلا يكره كما إذا كان ناسياً أو فرغ الماء المعد لوضوئه فذهب ليأتي بغيره ليكمل وضوءه. ومحل كونه سنة عند الشافعية ما لم يكن صاحب ضرورة كصاحب السلس فإنه يجب عليه التتابع كما سبق. والمالكية قالوا إن شرط وجوب الموالاة أن يكون المتوضئ ذاكراً قادراً فلو كان ناسياً أو عاجزاً غير مفرط ، وغير المفرط هو كمن أعد من الماء ما يكفي للطهارة يقيناً ثم ظهر عدم كفايته وأُريق منه شيء فإنه يبني على ما فعل ولو طال الزمن ....
وفي كتاب الرّحمة بهامش الميزان للشعراني ص ٢٠ : والموالاة في الوضوء سنّة عند أبي حنيفة ، وقال مالك الموالاة واجبة. وللشافعي فيه قولان أصحهما أنها سنّة ، والمشهور عن أحمد أنها واجبة.