الطهارات الثلاث غير ناشئة عن الأمر الغيري المتعلق بها ، بناء على أن المقدّمة واجبة بالوجوب الغيري ، بل إنما تنشأ عن أمرها النفسي ، فهي إذن عبادات جعلت مقدّمة للواجب ، فلا محالة تكون العبادية فيها في مرتبة متقدمة على أمرها الغيري ، وعليه إذا أتى بذات الوضوء وقصد به القربة والامتثال تتحقق به العبادة خارجاً كما تحققت المقدّمة ، وإن لم يقصد به أمرها الغيري أو لم يلتفت إليه أصلاً ، فإن الأمر الغيري توصلي لا يحتاج سقوطه إلى قصد القربة ، كما لا يمكن أن يكون منشأ للعبادية ، ومع تحقق العبادة في الخارج تترتب عليها الطهارة ، لأنها من الأحكام المترتبة على الوضوء الصحيح الذي قصد به القرية.
نعم ، هذا لا يكون موجباً لامتثال أمرها الغيري ، لعدم الإتيان بها بداعي الوجوب المقدمي ، هذا كله بناء على أن عبادية الطهارات الثلاث مستندة إلى أوامرها النفسية.
وأما إذا قلنا إن عباديتها إنما نشأت عن الأوامر الغيرية المتعلقة بها بناء على أن مقدّمة الواجب واجبة ، فلا يكون الإتيان بها من دون قصد الأمر الغيري المتعلق بها محققاً للمأمور به فضلاً عن أن يكون ذلك امتثالاً له ، وذلك لأن عباديتها حينئذٍ قد نشأت عن ذلك الأمر الغيري ، إذن لا بدّ في تحقق عباديتها من إتيانها بداعي ذلك الأمر الغيري ، فلو اتي بها لا بقصده وداعيه لم تتحقق العبادة بإتيانها بذاتها ، ومعه يقع الوضوء باطلاً فلا أداء ولا امتثال.
ثم إن الإتيان بالوضوء بقصد أمره الغيري يستلزم الإتيان به بقصد غايته ، لأن الغرض من الأمر الغيري إنما هو التوصل إلى غايته المترتبة عليه ، فلو أتى به ولم يقصد بإتيانه التوصل إلى غايته لم يقع الوضوء عبادة ، ولا سيما بناء على أن الواجب من المقدّمة حصّة خاصّة ، وهي المقدّمة الموصلة إلى ذي الغاية في الخارج ، فاذا أتى بأمره الغيري للتوصل به إلى غايته فقد تحقق كلا الأمرين من أداء المأمور به والامتثال هذا.
ثم إن في المقام كلاماً وهو أنه بناء على أن عبادية الطهارات الثلاث ناشئة عن