أوامرها الغيرية فهل يجب أن يؤتى بها بقصد غاية معينة من غاياتها المترتبة عليها ، أو أن قصد جنس الغاية كاف في صحتها وإن لم يدر أن ما يختاره من الغايات بعد ذلك أي شيء؟ فيجب أن يؤتى به بقصد قراءة القرآن خاصّة ، أو إذا أتى به للتوصل به إلى شيء من غاياته وإن لم يدر أنه سيختار القراءة أو الصلاة مثلاً كاف في صحتها؟
والصحيح كفاية قصد جنس الغاية من دون اعتبار قصد الغاية المعينة ، وذلك لأن للوضوء مثلاً أوامر غيرية من نواح شتى ، لأنه مأمور به بالأمر الغيري الاستحبابي الناشئ من الأمر الاستحبابي النفسي المتعلق بالقراءة ، ومأمور به بالأمر الغيري الوجوبي الناشئ من الأمر الوجوبي المتعلق بصلاة الظهر مثلاً أداء ، ومأمور به بالأمر الغيري الوجوبي الناشئ عن الأمر الوجوبي المتعلق بصلاة الظهر قضاء وهكذا ، فاذا أتى بالوضوء وقصد التوصل به إلى غاية من غاياته من دون تعيين ، فهو وإن لم يدر أنه مأمور به بالأمر الاستحبابي أو الوجوبي الأدائي أو الوجوبي القضائي ، إلاّ أنه محرز مطلوبيته على جميع التقادير ويعلم بأنه مأمور به قطعاً ، فاذا أتى به بداعي أمرها الغيري المحرز للتوصل به إلى شيء من غاياته فلا محالة يقع صحيحاً ، وقد مرّ أنه لا دليل على اعتبار قصد الوجوب أو الاستحباب ، وتمييز المأمور به من الوجوب والاستحباب ، كما لا تردّد فيما هو الغاية المترتبة عليه في الواقع لتعينها في علم الله سبحانه فلا إهمال في الواقع.
ومن هنا يظهر الحال في مسألة أُخرى ، وهي ما إذا أتى بالوضوء بداعي التوصل به إلى القراءة مثلاً عازماً بأن لا يصلي به أو غير ملتفت إلى ذلك أصلاً ، ثم بعد الوضوء ندم وبدا له فبنى على أن يصلي بذلك الوضوء ولا يأتي بالقراءة ، فإن وضوءه بناء على ما قدمناه صحيح ، لأنه قد أحرز تعلّق الأمر الغيري بما يأتي به من الوضوء وقد أتى به بهذا الداعي توصّلاً به إلى غاية معينة ، ومعه يقع وضوءه عبادة صحيحة لا محالة وغاية الأمر أنه أخطأ في التطبيق حيث تخيل أن الأمر الغيري المتعلق به هو الأمر الاستحبابي ، مع أنه بحسب الواقع هو الأمر الغيري الوجوبي والخطأ في التطبيق غير مضر بصحّة العبادة.