ثم لو سلمنا ذلك وقلنا إن الآية ليست بصدد البيان ، وأنه لا دليل في المقام يتشبث بإطلاقه ، فللمنع عن الأمر الثاني مجال واسع ، وذلك لأن الطهارة ليست مسببة عن الغسلتين والمسحتين ، وإنما هي عبارة عن نفس الأفعال ، لأن لها بقاء في عالم الاعتبار والتعبير بـ « إنه على وضوء » كثير في الروايات (١) وعليه فاذا شككنا في أن الوضوء الواجب هل هو الأفعال فقط ، أعني الغسلتين والمسحتين ، أو يعتبر فيه شيء زائد عليهما ، فلا مانع من أن تجري البراءة عن التكليف بالزائد ، لأنه من الشك في التكليف ، بناء على ما هو الصحيح من جريان البراءة في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيّين كما هو الصحيح. نعم بناء على القول فيه بالاشتغال فللمنع من جريان البراءة في المقام وجه ، إلاّ أنه على خلاف الواقع كما عرفت.
الوجه الثاني مما استدل به على مذهب المشهور : رواية قرب الاسناد عن أبي جرير الرقاشي قال : « قلت لأبي الحسن موسى عليهالسلام كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال : لا تعمق في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطماً ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحاً ، وكذلك فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدميك » (٢) لدلالتها على الأمر بغسل الوجه من الأعلى إلى الأسفل.
وقد نوقش في الاستدلال بهذه الرواية تارة من جهة السند وأُخرى من جهة الدلالة.
أمّا من جهة السند ، فلأجل اشتماله على أبي جرير الرقاشي ، وهو مهمل في الرجال ، وذلك لأن الرقاشي عنوان لشخصين ليس منهما أبو جرير ، وهما الحسين بن المنذر ومحمد بن درياب ، كما أن أبا جرير كنية لجماعة ليس منهم الرقاشي ، فأبو جرير الرقاشي مهمل والسند ضعيف.
ودعوى أن كتاب قرب الاسناد من الأُصول المعتبرة فلا يضره ضعف السند كما في
__________________
(١) منها صحيحة زرارة قال : « قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء ... » الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.
(٢) الوسائل ١ : ٣٩٨ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢٢ ، ٤٣٥ / أبواب الوضوء ب ٣٠ ح ٣.