بماء المطر ، ولأن التفصيل قاطع للشركة وقد فصّل الله سبحانه بين الوجه واليدين والرأس والرجلين ، فأمر بالمسح في الثانيتين ، وهذا يدلنا على عدم وجوبه في الأُوليين ، وعليه يكون الأمر بالغسل مسحاً محمولاً على الأمر باختيار أفضل الأفراد فهو أمر استحبابي لا محالة. والنتيجة أنه لم يدلنا دليل على وجوب كون الغسل من الأعلى إلى الأسفل.
هذا ولكن الصحيح عدم ورود هذه المناقشة على الاستدلال بالرواية ، وذلك لما بيّناه غير مرة من أن الوجوب والاستحباب خارجان عن مدلول الصيغة ، فان صيغة الأمر لا تستعمل في معنيين ، بل إنما تستعمل في معنى واحد دائماً ، والعقل ينتزع منها الوجوب مرّة والاستحباب اخرى ، وخصوصية الاستحباب إنما تنتزع من اقتران الصيغة بالترخيص في الترك كما ينتزع الوجوب من عدم اقترانها به ، فاذا استعملت ولم تكن مقترنة به فالعقل ينتزع منها الوجوب ويستقل باستحقاق العقوبة على الترك.
ومن هنا قلنا إن الأمر بغسل الجمعة والجنابة في رواية واحدة « اغتسل للجمعة والجنابة » (١) قد استعمل في معنى فأرد ، ولكن القرينة قامت على الترخيص في الترك في أحدهما فحكمنا باستحبابه ، ولم تقم في الآخر فحكمنا بوجوبه ، وقيام القرينة على الترخيص في الترك في أحدهما غير مانع عن دلالة الأمر بالوجوب على التقريب المتقدِّم في الآخر ، لوجود الفارق بينهما وهو قيام القرينة على الترخيص في الترك وإن كان المستعمل فيه في كليهما شيئاً واحداً ، هذا كلّه في حال الأمر بالإضافة إلى الأفراد.
ومنه يظهر الحال بالنسبة إلى الأجزاء والقيود ، كما إذا أمر المولى بإكرام جماعة من
__________________
(١) لم نعثر على هذه الرواية في مظانها ، نعم هناك رواية أُخرى وهي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « اغتسل يوم الأضحى والفطر والجمعة. وإذا غسلت ميتاً ، ولا تغتسل من مسه إذا أدخلته القبر ، ولا إذا حملته » المروية في الوسائل ٣ : ٣٠٦ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٩ وغيرها.