القسم الرابع والسبعون
تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل
يفعل ذلك لضرب من المبالغة. وفي القرآن العظيم منه كثير ..فمن بديع ما جاء منه قوله تعالى : ( قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ) قولهم ـ يا موسى إما أن تلقي ـ تخيير منهم له ، وحسن أدب راعوه معه ، كما يفعل أرباب الصناعات إذا تلاقوا في تقديم بعضهم على بعض ، كالمتناظرين قبل أن يتخاوضوا في الجدال ، وإنما قالوا ـ وإما أن نكون نحن الملقين ـ ولم يقولوا وإما أن نلقي كما قالوا ـ يا موسى إما أن تلقي ـ لرغبتهم في أن يلقوا قبله وتشوفهم إلى التقدم عليه ، وذلك لما فيه من تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل .. ومما يجري على هذا المنهاج قوله عز وجل : ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى ) فتوكيد الضمير هاهنا في قوله ـ لا تخف انك أنت الأعلى ـ نفي الخوف من قلب موسى ، وأثبت في نفسه الغلبة والقهر ولو قال : لا تخف إنك الأعلى أو ـ وأنت الاعلى ـ لم يكن في التأكيد لنفي الخوف من قلب موسى كما له من القوة في تقرير الغلبة ، ونفي الخوف بقوله ـ إنك أنت الأعلى ـ وذلك لأن في هذه الثلاث كلمات وهي قوله تعالى : ( إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى ) ست فوائد. الاولى إنّ المشددة التي من شأنها التأكيد لما يأتي بعدها كقولك : زيد قائم ، ثم تقول إنّ زيدا قائم ففي قولك إن زيدا قائم من الإثبات لقيام زيد ،