القسم الثاني
اطلاق اسم السبب على المسبب وهو أربعة أقسام :
القسم الأول : قوله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) سمى عقوبة الاعتداء اعتداء لأنه المسبب عن الاعتداء ، ومنه قوله تعالى : ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) تجوز بلفظ الجناية عن القصاص ، فإنه مسبب عنها ، والتقدير جزاء جناية قبيحة عقوبة قبيحة مثلها في القبح ، وإن عبرت بالسيئة عما ساء أي أحزن لم يكن من هذا الباب ، لأن الإساءة تحزن في الحقيقة كالجناية. ومنه قوله تعالى : ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ) تجوز بلفظ المكر عن عقوبته لأنه سبب لها .. ويحتمل أن يكون مكر الله حقيقيا ، لأن المكر هو التدبير فيما يضر الخصم خفية ، وهذا متحقق من الله تعالى لاستدراجه اياهم بما أجرى عليهم من نعمه مع ما أعد لهم من نقمه.
الثاني : اطلاق اسم الكتابة على الحفظ فإن الكتابة سبب لحفظ المكتوب ، وهو في القرآن العظيم في موضعين. أحدهما قوله تعالى : ( سَنَكْتُبُ ما قالُوا ) أي سنحفظه ولا ننساه حتى نجازيهم به. والآخر قوله تعالى : ( سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ ) أي نحفظه عليهم فإن الملائكة قد كتبوا ذلك لما قالوا ، وقتلوا الأنبياء فاستعمل اللفظ المستقبل في حفظه دون كتابته ، ( وأما ) قوله تعالى : ( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) فإنه تجوز بالكتابة عن الثبوت والدوام ، فإن الكتابة مستمرّة