القسم الثامن والخمسون
في الوصف
والوصف أصله الكشف والاظهار من قولهم ـ وصف الثوب الجسم ـ إذا لم يستره ونم عليه .. وأحسنه ما يكاد يمثل الموصوف عيانا ، ولأجل ذلك قال بعضهم : أحسن الوصف ما قلب السمع بصرا .. ومنه في القرآن العظيم كثير مثل قوله تعالى في وصف البقرة التي أمر بنو اسرائيل بذبحها لما سألوا أن توصف لهم بقولهم : ( ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ) وقوله لما سألوه أن يصف لهم لونها : ( قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) وقوله لما سألوه بيان فعلها قال انه : ( يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها ) فجمع في هذه الآية جميع الأحوال التي يضبط بها وصف الحيوان فإن الحيوان عند البيع والإجارة وسائر وجوه التمليكات يحتاج فيه إلى معرفة سنه ولونه وعمله ، ثم يفتقر فيه إلى معرفة عيوبه فنفى الله سبحانه وتعالى عن تلك البقرة كل عيب ـ بقوله ـ لا شية فيها ـ فجمع في هذه الآية جميع وجوه الوصف فإنه في الأول وصف سنها وفي الثاني وصف لونها ، وفي الثالث وصف خلقها وعملها .. ومن ذلك قوله تعالى : ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ) أي صفة الجنة التي وعد المتقون كيت وكيت. ومنه قوله تعالى : ( مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا ). وقوله تعالى : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ ) الآية. وقوله تعالى :