القسم الخامس والسبعون
الخطاب بالجملة الفعلية والخطاب بالجملة الاسمية
المؤكدة بأنّ المشددة وتفضيل إحداهما على الأخرى
وذلك كقولنا قام زيد وان زيدا قائم ، فقولنا قام زيد معناه الإخبار عن زيد بالقيام ، وقولنا إن زيدا قائم إخبار عن زيد بالقيام أيضا إلاّ أن في الثانية زيادة ليست في الأولى ، وهي توكيده بأن المشددة التي من شأنها الإثبات لما يأتي بعدها من الكلام .. ومن هذا النحو قوله تعالى : ( وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ) فإنهم انما خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية وشياطينهم بالجملة الاسمية المحققة بأن المشددة فقالوا في خطاب المؤمنين ـ آمنا ـ ولاخوانهم ـ إنا معكم ـ لأنهم في مخاطبة إخوانهم بما أجروا به عن أنفسهم من اثبات على اعتقاد الكفر ، والبعد من أن ينزلوا عنه على صدق ورغبة ووفور نشاط ، وكان ذلك متقبلا منهم ورائجا عند اخوانهم وما قالوه للمؤمنين ، فإنما قالوه تكلفا واظهارا لايمان خزيا ومداجاة ، وكانوا يعلمون أنهم لو قالوا بأوكد لفظ وأشده لما راج لهم عندهم إلاّ رواجا ظاهرا لا باطنا ، ولأنهم ليس لهم من عقائدهم باعث قويّ على النطق في خطاب المؤمنين بمثل ما خاطبوا به اخوانهم من العبارة المؤكدة ، فلذلك قالوا في خطاب المؤمنين بخلاف ما قالوه في خطاب اخوانهم ، وصرّحوا في كلامهم لإخوانهم أن ما خاطبوا به