توكد فإنه لا يحتاج إلى تأكيد لبيانه وظهوره ، فإن كان المعنى المقصود خفيا ليس بظاهر ولا معلوم فالأولى توكيد أحد الضميرين بالآخر لتقرره وتكسبه وضوحا وبيانا. ألا ترى إلى قوله لموسى عليهالسلام ـ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ـ فإنه كان ظهور موسى عليهالسلام على السحرة وقهره لهم أمرا مستقرا في ضمن الغيب لا يعلم ولا يعرف ، وأراد الله عز وجل أن يخبره بذلك ليذهب عنه الخوف والحذر بالأبلغ من الكلام ، ليكون ذلك أثبت في نفس موسى وأقوى دليلا عنده في انتفاء الخوف عنه ، فوكد الضمير المتصل بالمنفصل ، فجاء المعنى كما ترى ، ولو لم يؤكد كان ذلك أيضا اخبارا لموسى عليه الصلاة والسلام بنفي الخوف عنه واستظهاره على السحرة ، ولكن ليس له من التقرير في نفس موسى عليه الصلاة والسلام ما لقوله إنك أنت الاعلى فاعرف.
وعلى نحو من ذلك قوله تعالى ـ قالوا يا موسى إما أن تلقي ، وإما أن نكون نحن الملقين ـ فإن إرادة الإلقاء قبل موسى لم يكن معلوما عنده ، لأنهم لم يصرحوا بما في أنفسهم من ذلك لكنهم لما عدلوا عن مقالة خطابهم لموسى إلى ما هو توكيد ما هو لهم بالضميرين علم أنهم يريدون التقدم عليه ، والإلقاء قبله لأن من شأن مقابلة خطابهم لموسى عليه الصلاة والسلام بمثله أن يقولوا : إما أن تلقي ، وإما أن نلقي لتكون الجملتان متقابلتين ، فحيث قالوا عن أنفسهم ـ وإما أن نكون نحن الملقين ـ استدل بذلك على إرادتهم الإلقاء قبله فهذه معان لطيفة ورموز غامضة ، لا ينتبه لها إلاّ الفطن اللبيب فاعرفها.