ذلك فكيف قلنا أن توكيد الضمير المتصل بالمنفصل أبلغ؟
الجواب : عن ذلك انا نقول : توكيد المتصل بالمنفصل إنما يرد في الكلام لتقرير المعنى واثباته في الذهن وما يختص بالله تعالى لا يفتقر إلى تقرير ولا اثبات ، لأنه إذا قيل عنه انه على كل شيء قدير ، لم يحتج في ذلك إلى توكيد حتى يتحقق ويتبين أنه على كل شيء قدير ، بل علم وعرف أنه على كل شيء قدير ، وأن قدرته جارية على كل مخلوق ، فصار هذا من الأمر المعروف الذي لا يعتريه شك ، ولا يعترضه ريب ، وما هذا سبيله في الوضوح والبيان فلا حاجة فيه إلى التوكيد إذ كان التوكيد من شأنه التقرير للمعنى المراد اثباته في النفس ، وكون الله سبحانه على كل شيء قدير ثابت في النفوس ، فلم يحتج إلى تقرير واثبات.
فإن قيل : فقد ورد في القرآن العزيز عند ذكر الله تعالى نفسه التأكيد بالضمير المنفصل للضمير المتصل كقوله تعالى : ( وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ) إلى قوله : ( إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) كما انك على كل شيء قدير.فما السبب في هذا ، وهلا كان الجميع شرعا واحدا؟
فالجواب على ذلك : إنا نقول توكيد الضميرين أحدهما بالآخر في هذه الآية لا ينقص علينا ما أشرنا اليه أولا ، لأنه إن وقع الاقتصار على أحدهما دون الآخر ، فإن القول في ذلك ما تقدم في الآية الأولى ، وإن جيء بهما معا ، فإن ذلك أبلغ في بابه وآكد ، والله تعالى أحق بما هو أبلغ من الكلام وآكد. ولنمثل لك في استعمال الضميرين معا والاقتصار على أحدهما دون الآخر مثالا تتبعه فنقول : إذا كان المعنى المقصود أمرا معلوما قد ثبت في النفس ورسخ في الالباب ، فأنت بالخيار بين أن توكد أحد الضميرين بالآخر في الدلالة عليه ، وبين أن تقتصر على أحدهما دون الآخر ، لأنك إن وكدت الكلام فيه أعطيت المعنى حقه ، وإن لم