القسم الثاني والعشرون
من المجاز
الإيجاز والاختصار
وهو على قسمين : وجيز بلفظه ، ووجيز بحذف.
فأما الوجيز بلفظه : فهو عند أرباب هذه الصناعة أن يكون اللفظ بالتشبيه إلى المعنى أقل من القدر المعهود عادة ، وسبب حسنه أنه يدل على التمكن في الفصاحة والملكة في البلاغة ، وحصول ملاذ كثيرة دفعة واحدة ، واللفظ لا يخلو إما أن يكون مساويا لمعناه وهو المقدر أو أقلّ منه وهو المقصور .. أما المقدر فكقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) أمر الله في أول هذه الآية بالعدل والاحسان وإيتاء القربى ونهى في وسطها عن الفحشاء والمنكر والبغي ، ووعظ في آخرها ، وذكر فجمع في هذه ضروبا من البيان وأنواعا من الإحسان ، فذكر العدل والاحسان والفحشاء والمنكر بالألف واللازم التي هي للاستغراق ، أي استغراق الجنس المحتوى على جميع أنواعه وضروبه ، وجمع فيها بين الطباق اللفظي والطباق المعنوي ، أما اللفظي ففي قوله ـ إن الله يأمر وينهى ـ وأما المعنوي ففي قوله ـ العدل والاحسان وإيتاء ذي القربى ـ وقوله ـ الفحشاء والمنكر والبغي ـ فإن الثلاثة الأواخر أضداد الثلاثة الأول لأن الثلاثة الأول من الفعل الحسن ، والثالثة الأواخر من القبيح ، فطابق بين الحسن والقبيح مطابقة معنوية ، ثم بين خصوصية ذوي القربى بإعادة الايصاء