عليهم والإيتاء لهم مع أن الأمر بالاحسان قد تناولهم ، وبدأ بالعدل لأنه فرض ، وتلاوة بالإحسان لأنه مندوب اليه ، وقد يجب فاحتوت الآية على حسن النسق وعطف الجمل بعضها على بعض فقدم العدل وعطف عليه الإحسان الذي هو جنس عام ، وخص منه نوعا خاصا وهو إيتاء ذي القربى ، ثم أتى بالأمر مقدما وعطف عليه النهي بالواو ، ثم رتب جمل المنهيات كما رتب جمل المأمورات في العطف بحيث لم يتأخر في الكلام ما يجب تقديمه ولم يتقدم عليه ما يجب تأخيره ثم ختم ذلك كله بأمور مستحسنة ودعا الى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ، فاحتوت الآية على ضروب من المحاسن والقضايا وأشتات من الأوامر والنواهي والمواعظ والوصايا ما لو بث في أسفار عديدة لما اسفرت عن وجوه معانيها ، ولا احتوت على أصولها ومبانيها وسبحان من لا يشبه خلقه ذاتا ولا كلاما ولا إحكاما ولا أحكاما.
وفي القرآن العظيم من هذا النمط كثير وقد وقع آيات كثيرة قلت حروفها وكثرت معانيها ، وظهرت دلائل الإعجاز فيها مثل قوله تعالى : ( وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ). وقوله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ* ). وقوله تعالى : ( قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ). ومن ذلك في السنة كثير كقوله صلّى الله عليه وسلّم : « الأعمال بالنيات والمجالس بالامانات ». وكقوله :« الضعيف أمير الرّكب » يعني أنه ينبغي متابعته في السير ، كما ينبغي متابعة أمير الركب ، وقد صرّح بذلك في قوله صلّى الله عليه وسلّم : « سير واسير أضعفكم ».
ومن ذلك في أشعار العرب وخطبهم كثير وكثرته وشهرته أغنت عن ذكره.
وأما المقصور : فإما أن يكون من نقصان لفظه عن معناه لاحتمال لفظه معان كثيرة ، أو لا يكون كذلك. الثاني كما في قوله تعالى : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ). وكذلك قوله تعالى : ( أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ