القسم التاسع والعشرون
الاحتراس
وهو أن يذكر لفظا ظاهره الدعاء بالخير والنفع ، وذلك بما في ضمنه مما يوهم الشر ، فيذكر فيه كلمة تزيل ذلك الوهم ، وتدفع ذلك الوهن مثل قوله تعالى : ( يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ) وكان في العادة أن من تكلم في المهد لا يعيش ولا يتمادى به العمر ، فحصل الاحتراس بقوله تعالى ـ وكهلا ـ يريد أنه ليس يموت عاجلا كأمثاله ممن تكلم في المهد بل يعيش الى أن يبلغ الكهولة. ومنه قوله تعالى : ( وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) أزال بقوله ـ من غير سوء ـ توهم أن بياض اليد من برص وغيره .. وقد ورد في أشعار العرب من هذا كثير. من ذلك قول بعضهم :
فسقا ديارك غير مفسدها |
|
صوب الرّبيع وديمة تهمي |
فاحترس بقوله ـ غير مفسدها ـ لأن تكرار الماء على الديار مما يوجب الدمار .. وقال آخر :
ألا فاسلمي يا دار مي على البلا |
|
ولا زال مهلا بجرعائك القطر |
فاحترس بقوله ـ ألا فاسلمي ـ ومثله في القرآن والشعر كثير.