القسم الحادي والخمسون
في النادر والبارد
فأما البارد فليس في القرآن العظيم منه شيء ، وسيأتي بيانه في الفن الثالث الذي ليس في القرآن العظيم منه شيء .. وأما النادر فالقرآن مشحون به فإن أكثر ألفاظه نادرة الوجود ومعانيه مستوفية للمقصود كل كلمة منه جامعة لمعان شتى ، وكل آية تحتوي على معان لغير المتكلم به لا تتأتى ، وكل سورة إحكام أحكامها لا ينحصر ، وإعجاز إيجازها قد أعجز البشر ، وفيه النادر الحسن والأحسن .. فمن الآيات التي لم ينسج على منوالها ولا سمحت قريحة بمثالها قوله تعالى : ( فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ ) إلى قوله : ( وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ولهذا انّ ابن المقفع لما عارض القرآن ووصل إلى هذه الآية قال هذا مما لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ، وترك المعارضة ومزق ما كان اختلقه. ومن ذلك أيضا قوله تعالى : ( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) جمعت هذه الآية أمرين ونهيين وخبرين ووعدين .. ومن هذا النوع في القرآن كثير ، بل القرآن كله حسن وأحسن ، وليس هذا موضع استقصاء الاحسن ، وفي أشعار العرب من هذا كثير وقد تقدم بيانه.