القسم التاسع عشر
التفويف
والمفوف عند أرباب هذه الصناعة فيه قولان : الأول أن تكون ألفاظه سهلة المخارج عليها رونق الفصاحة ، وبهجة الطلاوة ، وعذوبة الحلاوة مع الخلو من البشاعة ، ملطفة عند الطلب والسؤال ، مفخمة عند الفخار والنزال .. وان كان شعرا فليكن شعره سهل العروض ، وقوافيه عذبة المخارج ، سهلة الحروف ومعانيه مواجهة للغرض المطلوب ظاهرة منه حيث لا تحتاج إلى إعمال الفكر في استنباط معانيه ، فإذا كان كذلك سمي مفوّفا بما تنوع من ألفاظه ومعانيه فأشبه البرد المفوّف الذي فيه ألوان مختلفة وألوان متقابلة .. وأصل التفويف بياض يكون على الأظفار.
الثاني : المفوف من الكلام والشعر هو الذي يكون فيه التزامات لا تلزم تكتب بأصباغ مختلفة حتى يفطن للالتزامات التي جعلت عليه ، وعلى كلا القولين فالقرآن العزيز كله كذلك ، فإن كان التفويف بأصباغ مختلفة الألوان فتفويف القرآن العظيم مقاطع آياته وفواتحها وتحزيبه وتعشيره وارباعه واخماسه واسباعه ، فإنّ العلماء رضي الله عنهم رخصوا بأن يكون ذلك بالحمرة ، أو الخضرة ، أو الصفرة ، أو بألوان مخالفة للون الحبر والمداد ، حتى يعلم أنها ليست من نفس القرآن فاستحبوا ذلك ، فاذا صار على هذه الصفة أشبه البرد المفوف ، بل أجل وأحسن