القسم السابع والسبعون
في الاقتصاد والإفراط والتفريط
قال ابن الاثير رحمهالله : الاقتصاد أن يكون المعنى المضمن في العبارة على حسب ما يقتضيه المعبر عنه في منزلته .. وأما التفريط والإفراط فهو أن يكون المعنى المضمن في العبارة بخلاف ما يقتضيه منزلة المعبر عنه ، إمّا لانحطاطه دونها وهو التفريط ، وإمّا تجاوزا عنها وهو الإفراط لأن أصل التفريط في وضع اللغة من فرط في الأمر إذا قصر فيه وضيعه ، وأصل الافراط في وضع اللغة من أفرط في الأمر إذا تجاوز عنه .. والتفريط عيب في الكلام فاحش كقول الأعشى :
وما مزبد من خليج الفرا |
|
ت جون غواربه تلتطم |
بأجود منه بماعونه |
|
إذا ما سماؤهم لم تغم |
فإنه قد مدح ملكا يجود بماعونه ـ والماعون ـ هو كل ما يستعمل من قدوم ، أو فاس أو قصيعة ، أو قدر ، وما أشبه ذلك فلا سبيل إلى جعله مدحا البتة ، بل هو إلى الذم أقرب منه إلى المدح ، فهذا من أقبح التفريط فاعرفه. وأما الإفراط فهو بمنزلة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن رجلا جاءه فكلمه فقال ما شاء الله وشئت فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أجعلتني لله ندّا ، قل ما شاء الله وحده .. ومن هذا الباب قول عنترة :