باقية في العادة ، ( وأما ) قوله تعالى : ( إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ ) ففيه مذهبان. أحدهما : أنه من مجاز الحذف تقديره إن المنافقين يخادعون رسول الله ، والله خادعهم ، فيكون خداعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حقيقيا. وأما خدع الله إياهم ، فيجوز أن يكون من مجاز التعبير بلفظ السبب عن المسبب ، ويجوز أن يكون من مجاز التشبيه معناه أنه عاملهم معاملة المخادع بما أخفاه عنهم من إرادة إضرارهم وإهلاكهم ، ويجوز ان يكون حقيقة بما ذكرناه في المكر ، ويتأتى أن يكون مخادعتهم لله من مجاز التشبيه بمعنى أنهم يعاملونه معاملة المخادع ويكون خدعهم من مجاز المعاملة ، ويجوز أن يكون من مجاز التعبير بلفظ السبب عن المسبب ، فيكون من مجاز المجاز فإن مخادعتهم مجازية تجوز بها عن شبهها وكان اطلاق اللفظ من مجاز التشبيه.
الثالث : اطلاق اسم السمع على القبول وهو في القرآن كثير. من ذلك قوله تعالى : ( ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ ) معناه ما كانوا يستطيعون قبول ذلك والعمل به ، لأن قبول الشيء مرتب على استماعه ومسبب عنه ، ويجوز أن يكون نفي السمع لانتفاء فائدته فيصير كقولهم أنهم لا أيمان لهم أي لا وفاء ايمان لهم ... ومنه قول الشاعر :
وان حلفت لا ينقض النأي عهدها |
|
فليس لمخضوب البنان يمين |
معناه : ليس لمخضوب البنان وفاء يمين.
الرابع : اطلاق اسم الايمان على ما نشأ عنه من الطاعة وهو في القرآن كثير. فمن ذلك قوله تعالى : ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) معناه : ما كان الله ليضيع أجر صلاتكم إلى الصخرة قبل النسخ. ومنه قوله تعالى : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) معناه أفتعملون ببعض التوراة وهو فداء الأسارى فتجوز بالايمان عن العمل بما يوافق الكتاب ، لأنه مسبب عن الايمان وتتركون العمل ببعض وهو قتل