أقام ـ أدخل ـ مقام أنفذ. وفي رواية ـ فأقصدا ـ وفي رواية ـ فأنفذا ـ فعلى من روى فأقصدا وأنفذا فهي استعارة حسنة .. ومما يزيد الاستعارة حسنا وهو أصل في هذا الباب أن يجمع بين عدّة من الاستعارات قصدا لإلحاق الشكل بالشكل ، لاتمام التشبيه كقول امرئ القيس في وصف ليل طويل :
فقلت له لمّا تمطّى بصلبه |
|
وأردف أعجازا وناء بكلكل |
لمّا جعل لليل صلبا قد تمطى به بيّن ذلك فجعل له كلكلا قد ناء به فاستوفى جملة أركان الشخص ، وراعى ما يراه الناظر من جميع جوانبه.
الوجه الحادي عشر : الاستعارة بالكناية وبيان ما تتنزل به الاستعارة بالكناية منزلة الحقيقة .. أما الاستعارة بالكناية فهي إذا لم يصرح بذكر المستعار ، بل بذكر بعض لوازمه تنبيها به عليه كقول أبي ذؤيب :
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها |
|
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع |
فكأنه حاول استعارة السبع للمنية ، لكنه لم يصرح بها بل بذكر لوازمها تنبيها بها على المقصود.
الثاني عشر : ما تتنزل به الاستعارة منزلة الحقيقة : وهو أن يذكر لفظا يوهم به أن الاستعارة أصلا كقول أبي تمام :
ويصعد حتى يظنّ الجهول |
|
بأنّ له حاجة في السّماء |
لمّا استعار العلوّ لزيادة العلوّ في الفضل والقدر ، ذكره ذكر من يذكر علو مكان .. وكقول ابن العميد :
قامت تظلّلني من الشمس |
|
نفس أعزّ عليّ من نفس |
قامت تظللني ومن عجب |
|
شمس تظللني من الشمس |
ومدار هذا النوع على التعجب وقد يجيء على عكسه كقوله :
لا تعجبوا من بلا غلالته
قد زرّ أزراره على القمر