يقتضي النهي عن الغسل أو الوضوء ، والمحرم والمنهي عنه لا يقع عبادة لأنه مبغوض. إلاّ أنّا لا نلتزم بكون الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، بل كلا الضدّين مأمور بهما على وجه الترتب كما حققناه في محلِّه (١).
الصورة الثالثة : ما إذا كان المكلف جاهلاً بالضيق وقد أتى بالوضوء أو الغسل بقصد المقدمية للصلاة. وقد ذكر الماتن قدسسره أنهما محكومان بالبطلان ، لأن ما قصده من المقدمية للصلاة لا واقع له ، وما له واقع من المحبوبية النفسية أو المقدمية لسائر الغايات ليس مقصوداً له.
ولكن الصحيح صحّة الغسل والوضوء في هذه الصورة أيضاً ، لأن المطلوب في العبادات أمران : الإتيان بذات العمل ، وإضافته إلى الله سبحانه نحو إضافة. وكلا الأمرين واقع ومتحقق في المقام ، غاية الأمر أنه تخيل أن الإضافة والمقربية من جهة أنهما مقدمتان للصلاة ، وأخطأ في هذا الخيال ، فان إضافتهما ومقربيتهما إنما هي من جهة المحبوبية الذاتية أو سائر الغايات ، وهو خطأ في التطبيق وتخلف في الداعي وهو لا يوجب البطلان.
نعم لو قلنا بما التزم به الماتن قدسسره في مبحث الوضوء (٢) من أن الوضوء والغسل أمران قابلان للتقييد ، وأتى بهما المكلف بقيد كونهما مقدمة للصلاة لا بدّ من الحكم ببطلانهما ، إذ لا واقع لما أتى به لعدم كونهما مقيدين بذاك القيد.
إلاّ أنّا ذكرنا أن الوضوء والغسل طبيعة واحدة وشيء فأرد لا يقبل التقييد ، وإنما يمكن فيهما تخلف الداعي والخطأ في التطبيق ومعه لا بدّ من الحكم بصحتهما.
فتحصل : أن الغسل أو الوضوء محكومان بالصحّة على جميع التقادير المذكورة سوى ما وقع على وجه التشريع.
إلى هنا نختم الكلام في هذا الجزء حامدين مصلِّين ، ونشرع الجزء العاشر من المسألة (٣٠) التيمّم لأجل الضيق مع وجدان الماء ... إن شاء الله.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٩٤.
(٢) في الثامن من شرائط الوضوء قبل المسألة [٥٦٠].