ولعلّه لأجل ذلك استشكل العلاّمة في التيمّم للصيام (١) ، لأن موضوع المفطر فيه هو البقاء على الجنابة ، وهذا لا يرتفع بالتيمّم وإن ارتفع به الحدث ، ولكن لم يرتب الحكم فيه على البقاء على الحدث ليرتفع بالتيمّم ، بل الموضوع هو البقاء على الجنابة وهي لا ترتفع بالتيمّم. ومن هنا احتطنا في الصوم وقلنا إنّ التيمّم أحوط ، ولم نقل إنّه أقوى.
ولكن يدفع هذا الاحتمال أنّ المرتكز في أذهان المتشرعة ومقتضى مناسبة الحكم والموضوع أنّ المراد بالاغتسال في الآية الكريمة هو طلب تحصيل الطّهارة ورفع الحدث لا الاغتسال بما هو اغتسال ، ولذا عبرت آية التيمّم عنه بالتطهّر ، قال عزّ من قائل ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٢) فجواز الدخول في المساجد كالدخول في الصلاة وغيرهما من الغايات مترتبة على طلب الطّهارة أي على رفع الحدث لا على ارتفاع الجنابة بما هي جنابة.
فتندفع المناقشة المذكورة ، فإنّ التيمّم تحصيل للطهارة ورافع للحدث كالاغتسال فتصح به كل غاية تصح مع الاغتسال ، فلو تيمّم المجنب كفى في صحّة صومه ، لأنّ الموضوع فيه وإن كان هو البقاء على الجنابة إلاّ أن رافعها هو الاغتسال بمعنى طلب الطّهارة ورفع الحدث ، وهذا يتحقق بالتيمّم أيضاً.
ويؤكّد ما ذكرناه أنّ السيرة قد جرت على ترتيب تلك الغايات على التيمّم ، لأنّ الابتلاء بالتيمّم بدلاً عن غسل الجنابة من أجل المرض أو فقدان الماء أو غيرهما من المسوغات كثير في زماننا وفي الأزمنة المتقدمة ، وهم كانوا يدخلون المساجد ويقيمون فيها الصلاة ، فلو كان دخول المساجد محرماً على المتيمم الجنب لبان حكمه وذاع واشتهر.
هذا وقد ورد في بعض الأخبار (٣) بل أفتى به بعضهم جواز إمامة الجنب المتيمم
__________________
(١) نهاية الإحكام ١ : ٢١٥ ، المنتهي ٣ : ١٤٨.
(٢) المائدة ٥ : ٦.
(٣) الوسائل ٨ : ٣٢٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٧.