ولو لم نقل بجريان الاستصحاب فيها كما هو المختار فمقتضى العلم الإجمالي هو وجوب الجمع بين التيمّم والوضوء ، وذلك لأنّه إن كان باقياً على جنابته بعد التيمّم فوظيفته التيمّم ثانياً ، وإن كانت جنابته مرتفعة به فوظيفته الوضوء ، فلا مناص من أن يجمع بينهما عملاً بالعلم الإجمالي.
وأمّا من حيث الأدلّة الاجتهادية فمقتضى إطلاق الكتاب والسنّة وجوب التيمّم على المكلّف في مفروض المسألة ، وذلك لأن قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) يفيدنا أنّ المحدث بالأصغر إذا أراد الصلاة فإن كان في طبعه ونفسه مكلفاً بالوضوء ولم يجد ماءً تيمّم ولو وجده توضأ ، كما أنّ المكلّف بحسب طبعه ونفسه بالغسل إن وجد ماءً اغتسل وإن لم يجد ماءً تيمّم.
ومن البديهي أنّ المكلّف في مفروض الكلام في طبعه مكلّف بالاغتسال ، وحيث إنّه محدث بالأصغر وقد قام إلى الصلاة ولم يجد ماءً وجب أن يتيمّم بمقتضى إطلاق الآية الكريمة.
وكذا ما ورد في الأخبار من أنّ المكلّف المجنب إذا وجد ماءً لا يكفي لغسله وجب أن يتيمّم لا أن يتوضأ (٢) ، فإنّها تدلّنا على أن من كانت وظيفته الاغتسال ولم يجد ماءً وجب عليه التيمّم. والمكلّف مأمور بالاغتسال في المقام ولكنّه لم يجد الماء فوجب عليه أن يتيمّم لا محالة.
وملخّص الاستدلال بالكتاب : أنّه سبحانه عنون « لمس النِّساء » فقال ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ... ) وهذا العنوان كعنوان الجنابة باقٍ بعد التيمّم أيضاً ، حيث يصدق في المقام أنّه رجل لامس النِّساء ولم يجد ماءً فيجب أن يتيمّم بعد الحدث الأصغر.
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.
(٢) الوسائل ٣ : ٣٨٦ / أبواب التيمّم ب ٢٤.