وفيه ما لا يخفى ، أوّلا : أنّ اللقاء ليس مباينا للحرقة بل إنّها بالنسبة إليه من قبيل العناوين التوليدية ، لأنّ اللقاء سبب للحرقة ، فيصحّ أن يقال إنّ اللقاء حرقة بهذا الاعتبار ، أعني باعتبار كون الثاني من العناوين التوليدية بالنسبة إلى الأوّل.
وثانيا : أنّ الالقاء ليس بمأخوذ من مادّة اللقاء ، لأنّ لقي متعدّ فيقال لقي الحطب النار ، وإذا زيدت عليه الهمزة فقيل ألقيت الحطب في النار ينبغي أن يقال ألقيت الحطب النار ، بل الظاهر الالقاء مأخوذ من مادّة أخرى لا وجود لها. ومعنى الالقاء هو اخلاء اليد من الشيء وطرحه في المحل ، لا مجرّد جعل أحدهما ملاقيا للآخر ، فإنّ ذلك لا يتمّ في مثل قوله تعالى : ( وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ )(١).
وثالثا : لو سلّمنا أنّ الالقاء مأخوذ من اللقاء فلا يلزم منه أن يكون عينه حقيقة ، إذ ليس ذلك من قبيل الايجاد والوجود ، فإنّه إنّما يكونان من هذا القبيل لو كانا من قبيل المصدر واسم المصدر ، والمفروض أنّ الالقاء واللقاء كلّ منهما مصدر على حدة ، غايته أنّ الأوّل مصدر من باب الافعال والثاني من باب الفعل ، فلا يلزم أن يكون أحدهما عين الآخر خارجا. وكيف يكون ما صدر عن الفاعل من قولنا أعلمت زيدا عين ما صدر عن الفاعل من قولنا علم زيد ، وهكذا الحال في مثل أقعدته وأقمته.
ورابعا : أنّ الوجدان شاهد على عدم المباينة بين الالقاء والاحراق ، ضرورة صحّة حمل الثاني على الأوّل فيقال الالقاء إحراق ، ولو كان تركّبهما انضماميا لما صحّ الحمل المذكور.
وخامسا : أنّه بعد جميع هذه المضايقات لا نعبّر بالالقاء ، بل نعبّر بالطرح واخلاء اليد أو الوضع أو ما أشبه ذلك ممّا هو خارج عن هذه الشبهة.
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦٤.