أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا ) (١) وَقَالَ : ( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) (٢) وَقَالَ : ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ ) (٣) وَقَالَ : (وما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) (٤) وَقَالَ : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (٥) فَهذَا ذِكْرُ دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ وَمَنَازِلِهِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (٦) ». (٧)
__________________
(١) الحديد (٥٧) : ١٠.
(٢) المجادلة (٥٨) : ١١.
(٣) التوبة (٩) : ١٢٠.
(٤) البقرة (٢) : ١١٠ ؛ المزّمّل (٧٣) : ٢٠.
(٥) الزلزلة (٩٩) : ٧ ـ ٨.
(٦) في الوافي : « الغرض من هذا الحديث أن يبيّن أنّ تفاضل درجات الإيمان بقدر السبق والمبادرة إلى إجابة الدعوة إلى الإيمان ، وهذا يحتمل عدّة معان :
أحدها : أن يكون المراد بالسبق ، السبق في الذرّ وعند الميثاق ، كما يدلّ عليه الخبران الآتيان ـ وهما الخبران : ١٧٢٠ و ١٧٢١ من هذا الكتاب ـ. وعلى هذا يكون المراد بأوائل هذه الأُمّة وأواخرها ، أوائلها وأواخرها في الإقرار والإجابة هناك ، فالفضل للمتقدّم فى قوله : « بلى » والمبادرة إلى ذلك ، ثمّ المتقدّم والمبادر.
والمعنى الثاني : أن يكون المراد بالسبق ، السبق في الشرك والرتبة والعلم والحكمة وزيادة العقل والبصيرة في الدين ووفور سهام الإيمان الآتي ذكرها ، ولا سيّما اليقين ، كما يستفاد من أخبار الباب الآتي. وعلى هذا يكون المراد بأوائل هذه الامّة وأواخرها ، أوائلها وأواخرها في مراتب الشرف والعقل والعلم ، فالفضل للأعقل والأعلم والأجمع للكمالات. وهذا المعنى يرجع إلى المعنى الأوّل ؛ لتلازمهما ووحدة مآلهما واتّحاد محصّلهما. والوجه في أنّ الفضل للسابق على هذين المعنيين ظاهر لا مرية فيه.
وممّا يدلّ على إرادة هذين المعنيين اللذين مرجعهما إلى واحد ، قوله عليهالسلام : « ولو لم تكن سوابق يفضل بها المؤمنون » إلى قوله : « من قدّم الله » ولاسيّما قوله : « أبي الله تعالى أن يدرك آخر درجات الإيمان أوّلها ». ومن تأمّل في تتمّة الحديث أيضاً حقّ التأمّل يظهر له أنّه المراد إن شاء الله تعالى.
والمعنى الثالث : أن يكون المراد بالسبق ، السبق الزماني في الدنيا عند دعوة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إيّاهم إلى الإيمان. وعلى هذا يكون المراد بأوائل هذه الامّة وأواخرها ، أوائلها وأواخرها في الإجابة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقبول الإسلام والتسليم بالقلب والانقياد للتكاليف الشرعيّة طوعاً ، ويعرف الحكم في سائر الأزمنة بالمقايسة. وسبب فضل السابق على هذا المعنى أنّ السبق في الإجابة للحقّ دليل على زيادة البصيرة والعقل والشرف التي هي الفضيلة والكمال.
والمعنى الرابع : أن يراد بالسبق ، السبق الزماني عند بلوغ الدعوة ، فيعمّ الأزمنة المتأخّرة عن زمن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.