ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليهالسلام : « كَانَ أَبِي يَقُولُ : إِنَّهُ (١) لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَ (٢) فِي قَلْبِهِ نُورَانِ : نُورُ خِيفَةٍ ، وَنُورُ رَجَاءٍ ، لَوْ وُزِنَ (٣) هذَا لَمْ يَزِدْ عَلى هذَا ، وَلَوْ وُزِنَ (٤) هذَا لَمْ يَزِدْ عَلى هذَا ». (٥)
١٦٠٠ / ٢. مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبَلَةَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ :
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليهالسلام : « يَا إِسْحَاقُ ، خَفِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ؛ وَإِنْ كُنْتَ لَاتَرَاهُ (٦) فَإِنَّهُ يَرَاكَ (٧) ،
__________________
(١) في الوسائل : ـ / « إنّه ».
(٢) في « ب ، د ، بس » : ـ / « و ».
(٣) في « بر » : « ولو وزن ». وفي « ز » : « وزنت ».
(٤) في « ز » : « وزنت ».
(٥) الأمالي للصدوق ، ص ٦٦٨ ، المجلس ٩٥ ، ح ٥ ، بسند آخر ، وفيه : « يا بنيّ خف الله خوفاً لو وافيته ببرّ الثقلين خفت أن يعذّبك الله ، وارج الله رجاءاً لو وافيته بذنوب الثقلين رجوت أن يغفر الله لك » مع زيادة في أوّله وآخره. تحف العقول ، ص ٣٧٥ الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٨٧ ، ح ١٩٥٤ ؛ الوسائل ، ج ١٥ ، ص ٢١٦ ، ح ٢٠٣١١ ؛ البحار ، ج ٧٠ ، ص ٣٥٢ ، ح ١.
(٦) في مرآة العقول : « فإن لم تكن تراه » بدل « وإن كنت لا تراه ».
(٧) في « ب » : ـ / « وإن كنت لا تراه فإنّه يراك ». وفي مرآة العقول ، ج ٨ ، ص ٣٢ ـ ٣٣ : « واعلم أنّ الرؤية تطلق علىالرؤية بالبصر وعلى الرؤية القلبيّة ، وهي كناية عن غاية الانكشاف والظهور ، والمعنى الأوّل هنا أنسب ، أي خف الله خوف من يشاهده بعينه وإن كان محالاً. ويحتمل الثاني أيضاً ؛ فإنّ المخاطب لمّا لم يكن من أهل الرؤية القلبيّة ولم يرتق إلى تلك الدرجة العليّة ـ فإنّها مخصوصة بالأنبياء والأوصياء عليهمالسلام ـ قال : « كأنّك تراه » ، وهذه مرتبة عين اليقين وأعلى مراتب السالكين.
وقوله : « فإن لم تكن تراه » ، أي إن لم تحصل لك هذه المرتبة من الانكشاف والعيان ، فكن بحيث تتذكّر دائماً أنّه يراك ، وهذه مقام المراقبة ، كما قال تعالى : ( أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ) [ الرعد (١٣) : ٣٣ ] ؛ ( إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) [ النساء (٤) : ١ ] ، والمراقبة : مراعاة القلب للرقيب واشتغاله به ، والمثمر لها هو تذكّر أنّ الله تعالى مطّلع على كلّ نفس بما كسبت ، وأنّه سبحانه عالم بسرائر القلوب وخطراتها ، فإذا استقرّ هذا العلم في القلب جذَبه إلى مراقبة الله سبحانه دائماً وترك معاصيه خوفاً وحياءً ، والمواظبة على طاعته وخدمته دائماً.
وقوله : « وإن كنت ترى » تعليم لطريق جعل المراقبة ملكة للنفس ، فتصير سبباً لترك المعاصي. والحقّ أنّ هذه شبهة عظيمة للحكم بكفر أرباب المعاصي ، ولايمكن التفصّي عنها إلاّبالاتّكال على عفوه وكرمه سبحانه ، ومن هنا يظهر أنّه لايجتمع الإيمان الحقيقي مع الإصرار على المعاصي ، كما مرّت الإشارة إليه.