على نظره قدسسره ليست من الأحكام الوضعية المجعولة ، وإنّما المجعول هو الأمر بالشرط فينتزع عنه الشرطية ، والنهي عن المانع وينتزع عنه المانعية.
فنقول : إنّه لو دار الأمر بين وجوب لبس المأكول نفسياً وحرمة لبس غير المأكول نفسياً أيضاً ، فلا إشكال في تنجّز كلا هذين التكليفين ، فلو شكّ حينئذ في مأكولية هذا اللباس ، فلا إشكال في جريان البراءة من حرمة لبسه لجريانها حتّى مع العلم التفصيلي بحرمة لبس غير المأكول ، وذلك لأجل الشكّ في كونه غير مأكول ، لكن هل له أن يكتفي بلبسه ، مع أنّه لو لبسه لم يحصل له الفراغ اليقيني من الوجوب الذي هو أحد التكليفين اللذين وقعا مورداً للعلم الاجمالي المفروض أنّه في نفسه لا تجري فيه البراءة. وهل يمكن أن يقال : إنّ الوجوب وإن لم يمكن جريان البراءة فيه من حيث نفسه ، لكنّه لمّا كان موجباً للضيق على المكلّف في مقام الشكّ زائداً على احتمال التحريم كانت البراءة جارية فيه بهذا المقدار.
ولا يخفى أنّه لو أُشكل على ما مثّلنا به للضدّين اللذين لا ثالث لهما بلباس المأكول ولباس غير المأكول ، بأنّه من قبيل ما لهما ثالث ، لإمكان اللباس من غيرهما أو عدم اللباس أصلاً ، فبدّل ذلك بمثال الكون في المسجد والكون في خارجه بالنسبة إلى الاعتكاف ، إذا دار الأمر بين أن يكون الكون في المسجد شرطاً أو يكون الكون في خارجه مانعاً ، وفرّع على ذلك فيما لو كان هناك قطعة من الأرض يشكّ في كونها مسجداً. ومثّل أيضاً بذلك لدوران الأمر بين الوجوب النفسي والحرمة النفسية ، وأنّه عند الدوران المذكور وإن جرت البراءة من حرمة الكون في ذلك المكان المشكوك ، إلاّ أنه لا تجري في ناحية الوجوب النفسي ، بل يلزم الاحتياط بالكون بما يحرز مسجديته فتأمّل ، هذا.