قلت : لا يخفى أنّ ما أفاده في توجيه مذهب المشهور من كون الموجبة الجزئية نقيضاً للسالبة الكلّية والسالبة الجزئية نقيضاً للموجبة الكلّية ، لا ينفع في إثبات الانحلال ، وإنّما أقصى ما فيه هو إثبات أنّ الموجبة الجزئية تكون مخالفة للسالبة الكلّية المنذورة ، والسالبة الجزئية تكون مخالفة للموجبة الكلّية المنذورة ، فلا يثبت بذلك إلاّتحقّق الحنث بذلك ولزوم الكفّارة ، وأمّا أنّ كلّ ما أوجب الكفّارة فقد أوجب انحلال النذر فممّا لم يقم عليه برهان. نعم يمكن أن يقال : إنّ ما أوجب الكفّارة فقد أوجب الانحلال بمقداره ، وهو واضح مسلّم ، إلاّ أن ذلك لا دخل له بانحلال النذر في البواقي.
وبالجملة : أنّ الأمر في الانحلال وعدمه يدور على ما تقدّمت الاشارة إليه من كون العموم استغراقياً أو كونه مجموعياً ، فإن كان استغراقياً لم تكن المخالفة في بعض الأفراد موجبة لانحلال النذر في الباقي ، وإن أوجبت الكفّارة ، لأنّ النذر حينئذ ينحلّ إلى نذور متعدّدة حسب تعدّد ما تعلّق به من الأفراد التي ينحلّ ذلك العام إليها.
وإن كان العموم مجموعياً كانت المخالفة في بعض الأفراد موجبة لانحلال النذر ، لعدم تعدّده حينئذ إلى نذور متعدّدة ، فلابدّ من إقامة البرهان على أنّ العموم في باب النذر لا يكون إلاّمجموعياً ، وهو في غاية الإشكال بعد أن تحرّر في الأُصول أنّ الظاهر والأصل في باب العموم هو الاستغراق والانحلالية سيّما في النواهي ، ولم أتوفّق لمعرفة الوجه الفارق بين باب التكاليف وبين باب النذر. وقد نقلت في بعض تحريراتي عن الأُستاذ الأعظم قدسسره في مسألة اللباس المشكوك ما محصّله : أنّ مطلوبية الترك في النذر إنّما نشأت من وجوب الوفاء به ، فلا ربط له بالمفسدة والمبغوضية حتّى يكون النهي فيه انحلالياً ، وإنّما يكون وجوب الوفاء