الزكاة لا يمكن في تلك الحال ، لان العشر أو نصفه مكيل ولا يؤخذ الا من المكيل وفي وقت الحصاد لا يكون مكيلا ولا يمكن كيله ، وانما يكال بعد تذريته وتصفيته ، فتعليق العطاء بتلك الحال لا يمكن الا بما ذكرناه.
ويقوي هذا التأويل ما روي عن النبي عليهالسلام من النهى عن الحصاد والجذاذ بالليل (١). وانما نهى عن ذلك لما فيه من حرمان المساكين ما ينبذ إليهم من ذلك ، ألا ترى إلى قوله تعالى ( إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون ) (٢).
وما يقوله قوم في قوله ( وآتوا حقه يوم حصاده ) من أنها مجملة ولا دليل فيها. فليس بصحيح ، لان الاجمال هو مقدار الواجب لا الموجب فيه (٣).
( فصل )
فان قيل في قوله ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قد سماه الله تعالى حقا ، وذلك لا يليق الا بالواجب.
قلنا : قد يطلق اسم ( الحق ) على الواجب والمندوب إليه ، ألا ترى إلى ما روي عن جابر أن رجلا قال لرسول الله صلىاللهعليهوآله : وهل علي حق في ابلي سوى الزكاة؟ قال : نعم تحمل عليها وتسقي من لبنها.
فان قالوا : فظاهر قوله ( وآتوا حقه ) يقتضي الوجوب ، وما ذكرتموه ليس بواجب.
قلنا : إذا سلمنا ان ظاهر الامر شرعا على الوجوب أو الايجاب كان لنا من الكلام طريقان :
__________________
(١) تفسير البرهان ١ / ٥٥٦.
(٢) سورة القلم : ١٧ ـ ١٨.
(٣) أي لا يمكن دفع شبهة الخصم بهذا الجواب ، لان الاجمال في مقدار الواجب ، وبحثنا فيما يجب الزكاة فيه ( هـ ج ).