ثمّ علماؤهم دبّروا تدابير عرفية واخترعوا قوانين سياسية :
منها : أنّهم قسّموا الأحكام الشرعية إلى قسمين : قسم نصب الشارع دلالة قطعية عليه ، وقسم نصب الشارع دلالة ظنّية عليه.
ومنها : أنّهم جعلوا الامّة قسمين :
القسم الأوّل : « المجتهد » واعتبروا فيه ملكة مخصوصة مخفية غير منضبطة ، ولذلك يقع الاختلاف في كثير من الأفاضل بين أهل الخبرة هل هم مجتهدون أم لا ، واعتبروا في العمل بظنّه قدرا من بذل الوسع ، هو كذلك أمر مخفي غير منضبط.
والقسم الثاني : « المقلّد » وأوجبوا عليه العمل بظنّ المجتهد في المسائل الّتي ليست من ضروريّات الدين ولا من ضروريّات المذهب ، ولذلك سمّوه « مقلّدا » فلو كان عنده حديث صحيح صريح في مسألة نظرية شرعية لم يطّلع عليه المجتهد وجب عليه طرحه والأخذ بظنّ المجتهد المخالف له المبني على استصحاب أو براءة أصلية أو شبهها.
______________________________________________________
لكن بعد ذلك يجوز خفاء بعضها ، لعدم وجود نصّ صريح به ، ويمكن استخراج حكمه من اصول الشريعة بالاستنباط والاجتهاد ، وأثبتوا ذلك بنقلهم تعدّد أهل الفتوى في زمانه صلىاللهعليهوآله مثل الخلفاء الأربعة وعبد الله بن العبّاس وغيرهم ، وتجويز الاجتهاد للرسل الّذي كان يرسلهم للجهات ، وبقوله تعالى : ( ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ ) وذلك
أنّ اثنين من الصحابة قطع أحدهما من نخل المشركين الجيّد والآخر الرديء ، والأوّل أراد غيظ المشركين بقطع الجيّد ، والثاني أراد بقاه لنفع الرسول صلىاللهعليهوآله فلمّا سألهم الرسول عن ذلك كان هذا جوابهم وأذن الله لهم في ذلك وكان اجتهادهم.
وأمّا أصحابنا فإنّهم بعد انقضاء الزمن الطويل واندراس الكتب المعتمدة في الرواية ولم يجدوا في أغلب الأحكام إلّا أخبار الآحاد مع عدم وفائها بأحكام الفروع في الدلالة صريحا ولا فحوى ، احتاجوا أيضا إلى طريقة الاجتهاد والاستنباط بحيث لا يخرج فتواهم عن موافقة حديث الأئمّة واصولهم المعتمدة ولا بدّ من الرجوع إلى قواعدها بنوع من الاستدلال.
ودعوى أنّ كلّ مسألة من الفروع يمكن استفادة حكمها من نصّ الحديث بخصوصها فممّا يشهد بتعذّره الوجدان ، ودعوى المصنّف ذلك مكابرة في العيان عند الإنصاف.