الفائدة الثانية
إنّ أحاديث هذا الباب صريحة فيما اختاره رئيس الطائفة من جواز العمل بخبر الواحد الثقة في الرواية واستدلّ عليه باجماع الطائفة ، ونحن نستدلّ عليه بهذه الروايات المتواترة وبالروايات الواردة في وكلاء الصاحب عليهالسلام المشتملة على الأمر بالأخذ عنهم ، لأنّهم ثقات وأشباه ذلك. وإذا لاحظنا هذه الروايات مع ما أثبتناه من أنّه لا بدّ في باب الفتاوى من أحد القطعين ينتج أنّ خبر الثقة في الرواية يفيد القطع العادي ، كما حقّقناه سابقا وجعلناه من أنواع القرائن المفيدة للقطع بصحّة الخبر ، لا بصحّة مضمون الحديث *.
______________________________________________________
المذهب. وجعل باب الفتاوى أضيق من باب الشهادة الأمر فيه بخلاف ذلك ، لأنّ الشهادة قد اعتبروا فيها ما لم يعتبروه فيه الرواية من الشهادة بالعلم وعدم التهمة وتعدّد الشهود وغير ذلك ، والفتاوى اكتفوا فيها وفي أصلها بالظنّ بالاتّفاق مع تعذّر العلم ، واكتفي بالراوي الواحد العدل في الفتوى ولم يكتف بالواحد في الشهادة. والمناسب بالفتوى التخفيف والاكتفاء بالظاهر ، لعموم الاحتياج إليها وعسر تحصيل العلم في كلّ مسألة. وحكم المصنّف بالاكتفاء في جواز العمل بخبر الواحد الثقة وعدم جواز التعويل على قول العدل الواحد في الشهادة ينادي بأنّ حكم الشهادة أضيق من حكم الرواية والفتوى ، لأنّ قبول الواحد في حكم وعدم قبوله في آخر يناسب بالتساهل فيه لا بقوّته ، كما هو واضح.
* أقول : ما أسهل على المصنّف في كلّ شيء يريده ادّعاء تواتر الروايات! ولو كانت الروايات متواترة بجواز العمل بخبر الواحد الثقة ـ كما يزعم ـ ما جاز للسيّد المرتضى وغيره من أجلّاء العلماء ردّ الخبر الموثّق بل خبر العدل الواحد ، ولم يعملوا به بعد تواتر الروايات بوجوب العمل به. وأيضا كان الشيخ أحقّ بالاستدلال بذلك من الإجماع على العمل به ، لأنّ الإجماع قد صار المعروف منه أنّه مجرّد الشهرة ، فلا يكون دليلا قاطعا مثل التواتر ، فكأنّ هذا السرّ العظيم من ثبوت التواتر لم يتيسّر لأحد غيره الاطّلاع عليه ولا سبق أحد منهم قبله فهمه إليه. وتجويزه العمل فيما ذكره بعد هذا في الفائدة الثالثة بكلّ ما ورد من أصحاب العصمة ولو كان وروده من باب التقية بقول مطلق مناف للضابطة الّتي قدّمها سابقا من أنّ الحقّ دائما يكون في خلافهم ، واللازم على ذلك إذا وجد في كلام المعصوم ما يوافق مذهبهم أن نخالفه ولو لم نجد ما بينهما (١) على أنّه من موارد التقيّة لأنّ الحقّ في خلافهم.
__________________
(١) كذا ، والظاهر : ما يدلّ.