إذا عرفت ما مهّدنا من الدقيقة الشريفة ، فنقول : إن تمسّكنا بكلامهم فقد عصمنا عن الخطأ وإن تمسّكنا بغيره لم نعصم عنه ، ومن المعلوم أنّ العصمة عن الخطأ أمر مطلوب مرغوب شرعا وعقلا.
ألا ترى أنّ الإماميّة استدلّت على وجوب عصمة الإمام بأنّه لو لا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتّباع الخطأ ، وذلك محال لأنّه قبيح عقلا.
وأنت إذا تأمّلت في هذا الدليل علمت أنّ مقتضاه : أنّه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظنّي في أحكامه تعالى أصلا سواء كان ظنّي الدلالة أو ظنّي المتن أو ظنّيهما.
والعجب كلّ العجب! أنّ جمعا من الأفاضل القائلين بصحّة هذا الدليل رأيتهم قائلين بجواز العمل بالدليل الظنّي ونبّهتهم على تنافي لازميها فلم يقبلوا ، فقلت في نفسي :
إذا لم تكن للمرء عين صحيحة |
|
فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر * |
______________________________________________________
* إنّا قد بيّنّا أنّ المحذور الّذي اعتبرت العصمة لأجله على دعواه ـ وهو احتمال إخباره بغير الحقّ من وهم أو نسيان أو تعمّد ـ يأتي هذا المحذور في كلّ مخبر ، فيلزم أن لا يفيد خبره العلم إلّا بعد ثبوت عصمته ، فلا يجوز قبوله مع الاحتمال وإن كان الاحتمال ضعيفا وبيّنّا أنّ الأوصاف والشروط الّتي تعتبر في النبيّ والإمام من الكمالات والنزاهة عن النقائص لا تعتبر في غيرهم ، وأنّ الراوي يكفينا في تصديقه العلم بعدالته ، كما دلّ عليه القرآن وثبوت الحقّ بشهادة العدلين والاكتفاء بخبر العدل الواحد في مواضع ، ومتى يحصل القطع والعلم من الخبر في كلّ حكم؟ والاصوليّون صرّحوا بالفرق بين القرآن والخبر بأنّ القرآن قطعي المتن ظنّي الدلالة والخبر عكسه ، ودليل السمع محصور فيهما فكيف يتحقّق القطع والعلم؟ مع أنّه لا بدّ فيهما من الرجوع إلى الظنّ. ولو اعتبرنا في كلّ حكم ومسألة العلم والقطع من الأخبار بحكمها لانسدّ باب العمل في كثير من الأحكام وتعطّلت الشريعة السمحة الّتي جاء بها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ودعوى تيسّر ذلك في زماننا وزمن من تقدّمنا غير زمن الأئمّة عليهمالسلام لمن كان يمكنه علم أمرهم عليهمالسلام دعوى واضحة الفساد ناشئة عن تمام الجهالة. والمصنّف يتعجّب من مخالفة الفضلاء له في خطأ منه واضح ، والتعجّب من خطائه أحقّ ، وما أحسن ما يقال هنا :