المعلومة بطلان هذه الكلّيّة ، ألا ترى أنّ وقوع الكذب من الله تعالى مثلا يستلزم محالا ذاتيا هو نقصه تعالى. وكذلك عدم المعلول الأوّل عند الفلاسفة يستلزم عدمه تعالى ، بل عدم كلّ موجود ممكن يستلزم عدم أحد الامور الطبيعية الدخيلة في وجوبه السابق ، لأنّ من جملة علامة اللزوم العلّية والمعلولية ، كما بيّن في مبحث الشرطية اللزومية من كتب المنطق.
وبعض الأفاضل فرّق بين استلزام الشيء لذاته محالا ذاتيا ، وبين استلزامه لا لذاته.
وأقول : هذا كلام غير منقّح ، والحقّ الصريح أن يقال : إن كانت علامة اللزوم غير العلّية والمعلولية فالكلّية صحيحة كاستلزام اجتماع النقيضين ارتفاعهما ، وكاستلزام الدور توقّف الشيء على نفسه ، وكاستلزام التسلسل من جانب العلّة زوال احتياج الممكن من غير استثناء إلى غنيّ في ذاته.
ومن تلك الجملة :
شبهة احتمال وجود الممكن بأولوية ذاتية ، فإنّهم تحيّروا في دفعها ، والّذي في خاطري الآن أدلّة على دفعها :
الأوّل : أنّه إذا خلّي وهذه الأولوية هل يوجد وقتا دون وقت أو يوجد دائما؟ فعلى الأوّل لم يكن هنا أولوية ، بل يكون من باب التساوي ، وهو خلاف الفرض. وأيضا فيه ترجيح أحد المتساويين بحسب الاقتضاء على الآخر تارة وتارة عكسه. وعلى الثاني فهل يجوز دفع ذلك الوجود بقاسر أم لا؟ فإن لم يجز فيكون من باب الوجوب لا الأولوية ، وإن جاز فيكون وجوده فرع عدم ذلك القاسر فلم يكن الأولوية الذاتية كافية.
الدليل الثاني : أنّه إن جاز مع هذه الأولوية وقوع الطرف المرجوح يلزم جواز أن يترجّح بحسب الوقوع الّذي هو مرجوح بحسب الاقتضاء. وفساده أظهر من ترجيح أحد المتساويين على الآخر. وإن لم يجز فيلزم الخلف مع المطلوب.
الثالث : هل ذاته آب عن وقوع الطرف المرجوح بحسب الاقتضاء أم لا؟ فعلى الثاني لا أولوية وعلى الأوّل يلزم الوجوب.