وأمّا التمسّك باستصحاب حكم شرعي
في موضع طرأت فيه حالة لم يعلم شمول الحكم الأوّل لها ، مثاله : من دخل في الصلاة بتيمّم لفقد الماء ثمّ وجد الماء في أثنائها قبل الركوع أو بعده ، ومن عزم على إقامة عشرة ثمّ رجع قبل أن يصلّي صلاة واحدة تامّة أو بعدها.
فقد قال به الشافعية (١) وبعض أهل الاستنباط من أصحابنا كالعلّامة الحلّي ـ قدّس الله سرّه ـ في أحد قوليه (٢) والشيخ المفيد (٣). وأنكره الحنفية (٤) وأكثر أهل الاستنباط من أصحابنا (٥).
والحقّ عندي قول الأكثر ، وذلك لوجوه :
الأوّل : عدم ظهور دلالة على اعتباره شرعا ، وما ذكرته علماء الشافعية ومن وافقهم في هذه القاعدة من حصول ظنّ البقاء ومن جواز العمل بذلك الظنّ شرعا مردود من وجهين :
أوّلهما : أنّ وجود الظنّ فيه ممنوع ، لأنّ موضوع المسألة الثانية مقيّد بالحالة الطارئة وموضوع المسألة الاولى مقيّد بنقيض تلك الحالة ، فكيف يظنّ بقاء الحكم الأوّل *.
______________________________________________________
* ما نقله عن العلّامة في الاستصحاب ليس معروفا عنه ، وإنّما المعروف نقله عن المفيد ، مع أنّه يظهر من كلام المحقّق العمل به في بعض الموارد ، فإنّه قال : الّذي نختاره نحن أن ننظر في الدليل المقتضي لذلك الحكم ، فإن كان تقتضيه مطلقا وجب القضاء باستمرار الحكم كعقد النكاح مثلا ، فإنّه يوجب حلّ الوطء مطلقا ، فإذا وقع الخلاف في الألفاظ الّتي يقع بها الطلاق كقوله : أنت خليّة وبريّة ، فإنّ المستدلّ على أنّ الطلاق لا يقع بهما لو قال : حلّ الوطء ثابت قبل النطق بهذه فيجب أن يكون ثابتا بعدها ، لكان استدلالا صحيحا ، لأنّ المقتضي للتحليل وهو العقد اقتضاه ، ولا نعلم أنّ الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء فيكون الحكم ثابتا بالمقتضي.
لا يقال : المقتضي هو العقد ولم يثبت أنّه باق فلم يثبت الحكم ، لأنّا نقول : وقوع العقد اقتضى حلّ الوطء لا مقيّدا بوقت ، فلزم دوام الحلّ نظرا إلى وقوع المقتضي لا إلى دوامه ، فيجب
__________________
(١) راجع المستصفى ١ : ٢١٧.
(٢) نهاية الوصول : في الاستصحاب ص ٢٠٣ ( مخطوط ).
(٣) التذكرة باصول الفقه ( مصنّفات الشيخ المفيد ) ٩ : ٤٥.
(٤) راجع اصول السرخسي ٢ : ١٤٠.
(٥) منهم السيّد المرتضى في الذريعة ٢ : ٨٣٠. ولم نقف على غيره من علمائنا.