يشهد بذلك من تتبّع كلامه في كتاب الاصول وفي كتاب المعتبر وكلام غيره من المتأخّرين.
وتحقيق كلامه : أنّ المحدّث الماهر إذا تتبّع الأحاديث المرويّة عنهم عليهمالسلام في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل لاشتهر لعموم البلوى بها ولم يظفر بحديث يدلّ على ذلك الحكم ، ينبغي أن يقطع قطعا عاديا بعدمه ، لأنّ جمّا غفيرا من أفاضل علمائنا أربعة آلاف منهم تلامذة الصادق عليهالسلام ـ كما مرّ نقله عن كتاب المعتبر (١) ـ كانوا ملازمين لأئمّتنا عليهمالسلام في مدّة تزيد على ثلاثمائة سنة ، وكان همّهم وهمّ الأئمّة عليهمالسلام إظهار الدين عندهم وتأليفهم كلّ ما يسمعونه منهم في الاصول ، لئلّا تحتاج الشيعة إلى سلوك طرق العامّة ولتعمل بما في تلك الاصول في زمن الغيبة الكبرى فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام لم يضيّعوا من كان في أصلاب الرجال من شيعتهم ـ كما تقدّم في الروايات المتقدّمة (٢) ـ ففي مثل تلك الصورة يجوز التمسّك بأنّ نفي ظهور الدليل على حكم مخالف للأصل دليل على عدم ذلك الحكم في الواقع ، مثاله : نجاسة أرض الحمّام ، ونجاسة الغسالة ، ووجوب قصد سورة معيّنة عند قراءة البسملة ، ووجوب نيّة الخروج من الصلاة بالتسليم ، وقد نقل عن أمير المؤمنين عليهالسلام ما يدلّ على ما ذكرناه حيث قال لمحمّد بن الحنفية ما مضمونه : لو سئلت عن دليل على وحدة الإله فقل : لو كان إله آخر لظهر منه أثر (٣).
وأقول : تحقيق المقام أنّ الاصوليّين والكلاميّين والمنطقيّين يسمّون تلك المقدّمة وأمثالها بالقطعيات العادية ، يشهد بذلك من تتبّع شرح العضدي للمختصر الحاجبي وشرحي المواقف والمقاصد.
ولا يجوز التمسّك به في غير تلك المسألة المفروضة إلّا عند العامّة القائلين بأنّه صلىاللهعليهوآله أظهر عند أصحابه كلّ ما جاء به وتوفّرت الدواعي على أخذه ونشره وما خصّ أحدا بتعليم شيء لم يظهره عند غيره ولم تقع بعده صلىاللهعليهوآله فتنة اقتضت إخفاء بعض ما جاء به صلىاللهعليهوآله.
__________________
(١) راجع ص ١٦٨.
(٢) راجع ص ٢١٣.
(٣) انظر نهج البلاغة : ٣٩٦ ، من وصيّة له عليهالسلام للحسن عليهالسلام.