الوجه الثاني عشر
إنّا قطعنا قطعا عاديّا في حقّ أكثر رواة أحاديثنا بقرينة ما بلغنا من أحوالهم أنّهم لم يرضوا بالافتراء في رواية الحديث ، والّذي لم نقطع في حقّه بذلك كثيرا ما نقطع بأنّه طريق إلى أصل الثقة الّذي أخذ الحديث منه. والفائدة في ذكره مجرّد التبرّك باتّصال سلسلة المخاطبة اللسانية ، ودفع طعن العامّة بأنّ أحاديثكم ليست معنعنة بل مأخوذة من كتب قدمائكم ومن اصولهم *. ومن جملة القرائن على ما ذكرناه أنّ الإمام ثقة الإسلام صرّح في أوّل الكافي بصحّة جميع أحاديثه ومع ذلك كثيرا ما يذكر في أوائل الأسانيد من ليس بثقة.
بقي احتمال السهو وهو يندفع تارة بتعاضد بعض الروايات ببعض ، وتارة بقرينة تناسب أجزاء الحديث ، وتارة بقرينة السؤال والجواب وتارة بقرائن اخرى (١).
______________________________________________________
وعلى هذا المعنى حمل الشيخ بهاء الدين قدسسره كلام الصدوق رحمهالله في « من لا يحضره الفقيه » (٢) والّذي يعيّن ذلك ، الموجود من اختلاف الفتوى ومخالفة بعضها لما دوّنوه في كتبهم وتصريح الشيخ بضعف بعض الأحاديث الّتي أوردها في كتابيه ، وذلك دليل صريح في حكمهم بعدم صحّة كلّ الأحاديث الموجودة في كتبهم بطريق القطع ، لئلّا يناقض فعلهم كلامهم رحمهمالله.
* قد نبّهنا سابقا أنّ مجرد التبرّك بذكر السند الضعيف لا يعادل احتمال ضعف الحديث ، بل رجحان ضعفه غالبا عند من تخفى عليه حقيقة الحال ، وهذا هو الّذي كان محتاجا إلى التنبيه عليه لو صحّ أنّه كذلك ، لاحتمال الاغراء بالجهل. وأمّا غير ذلك فلا يحتاج إلى التنبيه ، لا حالة تمييزه على المعلوم من كتب الرجال الوافية ببيان ذلك. وأمّا أمر العامّة والتوجيه به فلا يخفى ضعفه.
__________________
(١) قد وقع في عبائر هذا الوجه ـ من أوّله إلى هنا ـ تقديم وتأخير وتخليط بعضها ببعض ، والّذي استظهرناه أنّ الأصل هكذا :
إنّا قطعنا قطعا عاديّا في حقّ أكثر رواة أحاديثنا بقرينة ما بلغنا من أحوالهم أنّهم لم يرضوا بالافتراء في رواية الحديث. بقي احتمال السهو ، وهو يندفع تارة بتعاضد بعض الروايات ببعض ، وتارة بقرينة تناسب أجزاء الحديث ، وتارة بقرينة السؤال والجواب وتارة بقرائن اخرى. ومن جملة القرائن ـ على ما ذكرناه ـ أنّ الإمام ثقة الإسلام صرّح في أوّل الكافي بصحّة جميع أحاديثه ، ومع ذلك كثيرا ما يذكر في أوائل الأسانيد من ليس بثقة ، والّذي لم نقطع في حقّه بذلك كثيرا ما نقطع بأنّه [ له ] طريق إلى أصل الثقة الّذي أخذ الحديث منه ، والفائدة في ذكره مجرّد التبرّك باتّصال سلسلة المخاطبة اللسانيّة ودفع طعن العامّة بأنّ أحاديثكم ليست معنعنة ، بل مأخوذة من كتب قدمائكم ومن أصولهم.
وبعد التنزّل ...
(٢) مشرق الشمسين ( المطبوع مع الحبل المتين ) : ٢٧٠.