قصّة حسنة :
قد بلغني أنّ بعض علماء العامّة طعن على الطائفة المحقّة بأنّ أفضل أهل الاجتهاد والاستنباط بينكم العلّامة الحلّي وقد رآه بعد موته ولده في المنام ، فقال لولده : « لو لا كتاب الألفين وزيارة الحسين عليهالسلام لأهلكتني الفتاوى » فعلم أنّ مذهبكم باطل.
وقد أجاب عنه بعض فضلائنا بأنّ هذا المنام لنا لا علينا ، فإنّ كتاب الألفين
______________________________________________________
« لا فضل لعربيّ على أعجميّ إلّا بالتقوى » (١) ويكفي شرف نوع العرب بأنّ محمّدا وذرّيّته ـ صلوات الله عليهم ، منهم وأمّا العجم فلا ينكر مدحهم ومزيد اختصاصهم بمحبّة أهل البيت وطاعتهم لهم قديما وحديثا وقد وقع في القرآن ما يشير إلى ذلك ، فإنّه ورد في بعض التفاسير عند قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله ضرب على عاتق سلمان رضى الله عنه وقال : « هم قوم هذا وذووه » ثمّ قال : « لو كان الدين معلقا بالثريا لنالته رجال من أبناء فارس » (٢). وفي كلام أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ في حكاية الأشعث بن قيس لمّا قال لعليّ عليهالسلام وهو يخطب على المنبر : غلبتنا هذه الحمراء على قربك ـ يعني العجم ـ فركض المنبر برجله حتّى قال صعصعة بن صوحان : ما لنا وللأشعث! ليقولنّ أمير المؤمنين اليوم في العرب قولا لا يزال يذكر. فقال عليّ ـ صلوات الله عليه ـ : « من يعذرني من هؤلاء الضياطرة؟ يتمرّغ أحدهم على فراشه تمرّغ الحمار ويهجر قوم للذكر فيأمرونني أن أطردهم ، ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين ، أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليضربنّكم على الدين عودا كما ضربتم عليه بدءا » (٣).
وأمّا المدح بأنّهم كانوا تابعين للأنبياء فغير مسلّم على الإطلاق ، لأنّهم كانوا المجوس وعبدة النار ومن يخالف شعائر الإسلام رأسا ، ولهذا فرح المشركون من العرب لمّا غلبت الروم وحزن المسلمون ، وذكروا أنّ العلّة في ذلك هي فرح المشركين لمشاركة العجم لهم في عدم الكتاب وعبادة غير الله ، وحزن المسلمين لكون الروم النصارى أصحاب كتاب وشريعة في الجملة موافق لدين الإسلام. وعلى كلّ حال لا فائدة مهمّة لتحقيق الحال ، والمصنّف يحبّ لنفسه وجنسه التحمّس وإظهار المزيّة والخصوصيّة عن الناس بالاستحقاق ، وهو عين الخطأ الواضح.
__________________
(١) البحار ٢٢ : ٣٤٨ ، ح ٦٤.
(٢) الكامل للمبرّد ٢ : ٥٧٩.
(٣) الكامل للمبرّد ٢ : ٥٧٩.