ودعوى التحرّز من الكذب مع ظهور الفسق مستبعد إذ الّذي يظهر فسوقه لا يوثق بما يظهر من تحرّجه عن الكذب.
وذكر : إذا أرسل الراوي الرواية ، قال الشيخ رحمهالله : إن كان ممّن عرف أنّه لا يروي إلّا عن ثقة قبلت مطلقا ، وإن لم يكن كذلك قبلت بشرط أن لا يكون لها معارض من المسانيد الصحيحة. واحتجّ لذلك بأنّ الطائفة عملت بالمراسيل عند سلامتها عن المعارض كما عملت بالمسانيد فمن أجاز أحدهما أجاز الآخر (١) انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
وأنا أقول : قد فهّمناك أنّ القرائن قسمان : قرينة تدلّ على أنّ مضمون الحديث حكم الله في الواقع وقرينة تدلّ على أنّ الراوي لم يفتر فيما رواه ، ولا تدلّ على أنّ مضمونه حكم الله في الواقع ، لاحتمال وروده من باب التقية ، ومن المعلوم عند اولي الألباب أنّا نقطع في حقّ كثير من الناس بقرائن حاصلة عند المعاشرة أو حاصلة بدونها بأنّهم لم يرضوا بأن يفتروا في باب الرواية. وقد نقلنا عن الشيخ قدسسره أنّ المعتبر في باب الرواية قطعنا بكون الراوي ثقة في الرواية لا كونه مظنون العدالة.
وبالجملة ، كون الراوي ثقة نوع من القرائن المفيدة للقطع بأنّه لم يفتر في الرواية وتلك القرينة نجدها موجودة في كثير من الرواة بقرائن ما بلغنا من أحوالهم. وأمّا احتمال وقوع السهو من الراوي في خصوصيّات بعض ألفاظ الحديث فيندفع بوجوه آتية في كلامنا.
وذكر المحقّق الحلّي قدسسره في أوائل المعتبر في حقّ جعفر بن محمّد عليهماالسلام : روى عنه من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل ، وبرز بتعليمه من الفقهاء الأفاضل جمّ غفير كزرارة بن أعين وأخويه بكير وحمران وجميل بن درّاج ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية والهشامين وأبي بصير وعبيد الله ومحمّد وعمران الحلبيّين وعبد الله بن سنان وأبي الصباح الكناني ، وغيرهم من أعيان الفضلاء حتّى كتبت من أجوبة مسائله أربعمائة مصنّف لأربعمائة مصنّف ، سمّوها اصولا.
__________________
(١) معارج الاصول : ١٤٧ ـ ١٤٩ و ١٥١.