وكذلك تواترت الأخبار عنهم عليهمالسلام بأنّه على الله التعريف والبيان وعلى الخلق أن يقبلوا ما عرّفهم الله تعالى (١). وطريق التعريف والبيان أنّه تعالى أوّلا يلهمهم بتلك القضايا وكذلك يلهمهم بدلالات واضحة عليها صادعة قلبهم ، ثمّ بعد ذلك تبلغهم دعوة النبيّ صلىاللهعليهوآله والدلالة على صدقه ، ثمّ بعد ذلك يجب عليهم الإقرار [ أي : الاعتراف اللساني ثمّ الاعتراف القلبي ] (٢) بالشهادتين وبباقي ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله إجمالا. وبأنّ (٣) من لم يحصل في حقّه هذه الامور ـ سواء كان من أهل الفترة أو كان له مانع آخر ـ لم يتعلّق به تكليف في دار الدنيا ويتعلّق به تكليف بدل ذلك يوم القيامة ، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة *.
[ ويفهم من كلامهم عليهمالسلام : أنّ الاعتراف والإقرار القلبي أمر مغاير للمعرفة التصديقية الّتي بها يرتفع الشكّ والتردّد ، وأنّ الأوّل فعل مطلوب من العبد ، وأنّ الثاني من خلق الله في القلوب.
وتوضيح ذلك : أنّ العبد الغير المنافق إذا قال : لا إله إلّا الله ومحمّد رسول الله ، فقد حصل إقراران : اللساني والقلبي ، فحديث النفس بذلك المعنى لأجل الانقياد اعتراف قلبيّ.
______________________________________________________
* مفاد كلام المصنّف ما ذهب إليه من أنّ معرفة الله تعالى ليست كسبيّة للعبد ، لأنّها ليست في مقدوره ، وبيّنّا أنّ ذلك خلاف المجمع عليه. وخلاصة القول في هذه المسألة : أنّ الواجب على المكلّف تحصيل المعرفة المعتبرة في التكليف ، لتوقّف صحّة العبادة على معرفة المعبود ، فإن كانت حاصلة ـ كما هو منقول عن بعض الصوفية أنّها ضروريّة ـ حصل المقصود ، وإلّا يوجب على المكلّف الالتفات والتذكّر والتفكّر والتعقّل لما يفيد ذلك.
وما ورد في القرآن والأخبار ما ينافي بظاهره ذلك وأمثاله من الامور المتّفق في مذهب الحقّ على خلافها فلا بدّ من تأويله وحمله على وجه لا يخالف المتّفق عليه. هذا إن لم تردّ أكثر الروايات المخالفة بضعف السند ، وإلّا فيؤوّل الوارد منها بنفي السبيل للعبد إليها بالحمل على المعرفة
__________________
(١) راجع المحاسن ١ : ٤٣٠ ، ح ٣٩٤ و ٣٩٥.
(٢) ما بين المعقوفتين لم يرد في خ.
(٣) عطف على قوله : تواترت الأخبار عنهم عليهمالسلام بأنّه ....