تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ ) (١) فكفرهم بترك ما أمر الله به ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده ، فقال : ( فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ ) (٢).
والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة ، وذلك قول الله عزوجل يحكي قول إبراهيم عليهالسلام : ( كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ ) (٣) يعني تبرّأنا منكم ، وقال يذكر إبليس وتبرّيه من أوليائه من الإنس يوم القيامة ( إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) (٤) وقال : ( إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) (٥) يعني تبرأ بعضكم من بعض (٦).
ومن كلامه عليهالسلام في بعض خطبه : عباد الله! إنّ من أحبّ عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه وأعدّ القرى ليومه النازل به ، فقرّب على نفسه البعيد وهوّن الشديد ، نظر فأبصر وذكر فاستكثر ، وارتوى من عذب فرات سهّلت له موارده فشرب نهلا وسلك سبيلا جددا قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلّى من الهموم إلّا همّا واحدا انفرد به ، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى وصار من مفاتيح أبواب الهدى ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه وسلك سبيله وعرف مناره وقطع غماره ، واستمسك من العرى بأوثقها ومن الحبال بأمتنها ، وهو من اليقين على مثل ضوء الشمس قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الامور من إصدار كلّ وارد عليه وتصيير كلّ فرع إلى أصله ، مصباح ظلمات كشّاف عشوات مفتاح مبهمات دفاع معضلات دليل فلوات ، يقول فيفهم ويسكت فيسلم ، قد أخلص لله فاستخلصه به ، فهو من معادن دينه وأوتاد
__________________
(١) البقرة : ٨٤ ـ ٨٥.
(٢) البقرة : ٨٥.
(٣) الممتحنة : ٤.
(٤) ابراهيم : ٢٢.
(٥) العنكبوت : ٢٥.
(٦) الكافي ٢ : ٣٨٩ ، ح ١.