دنيوية مبنية على اختلاف اجتهاد المتخاصمين في مال أو فرج أو دم لزم أن لا يجوز لأحدهما أن يأخذ قهرا على الآخر ما يستحقّه في حكم الله تعالى. وما قاله علماء العامّة : من أنّه إذا كانت خصومة المتخاصمين في قضية شخصية مبنية على اختلاف اجتهادهما يجب عليهما الرجوع إلى قاض منصوب من جهة السلطان فإذا قال القاضي : « حكمت بكذا » يجب اتّباعه عليهما ، ممّا لا يرضى به الذهن المستقيم والطبع السليم ، فكيف يرضى به الحكيم العليم؟
ومن جملتها أنّه يفضي إلى تجهيل المفتي نفسه أو إبطال القاضي حكمه إذا ظهر له ظنّ أو قطع مخالف لظنّه السابق.
ـ الوجه الثامن ـ
إنّ الظنّ المعتبر عندهم ظنّ صاحب الملكة المخصوصة الّتي اعتبروها في معنى الفقيه والمجتهد ، وأيضا المعتبر عندهم من بذل الوسع في تحصيل الظنّ المعتبر عندهم قدر مخصوص منه ، ولا يخفى على اللبيب أنّ الملكة المذكورة والقدر المشار إليه من بذل الوسع أمران مخفيّان غير منضبطين ، وقد مرّ أنّهم اعترفوا
______________________________________________________
فكلّ أحد يعرف أنّ الاجتهاد لا يتّجه إلّا في الامور الّتي لا يكون صحّتها أو حرمتها ضروريّا من الدين ولم يكن رؤساء المحاربين عندهم جهالة لتحريمه وبدعته ، ومحاورتهم فيما بينهم وما نقل عنهم من صريح الكلام قاطع على أنّهم ما كان عندهم شكّ في حرمته وبدعته ، وإنّما قادهم إليه الهوى وطلب الملك والرئاسة ، وكيف يتصوّر جواز الاجتهاد في فعل ينادي إمام الوقت الواجب على كلّ أحد من العامّ والخاصّ امتثال أمره واتّباع قوله وفعله ، وهو ينادي بضلالهم واتّباعهم المنكر وعدولهم عن الحقّ. ولا عجب من العامّة إذا تكلّموا بذلك ، أمّا استدلال المصنّف به أعجب وأغرب! كأنّه كان يجوز في عقله أن لو لم يكن الاجتهاد جائزا في زمان معاوية وابنه يزيد ما كانوا أقدموا على حرب عليّ وولده الحسين ـ صلوات الله عليهما ـ وكانوا لأجل الخوف من الله تركوا الملك والسلطنة رغبة في الثواب أو خوفا من العقاب ، ولم تزل حجج المصنّف وتعلّقاته على مثل هذه الخرافات الواهية!