فنقول : بقيت في زماننا بمنّ الله تعالى وبركات أئمّتنا عليهمالسلام قرائن موجبة للقطع العادي بورود الحديث عنهم عليهمالسلام :
______________________________________________________
منها أو التوصّل إلى الأئمّة عليهمالسلام أو يكون هناك أصول معلوم للأئمّة عليهمالسلام صحّتها ويمكن التوصّل إليها لم يأمروا عليهمالسلام أصحابهم عند الاختلاف بالعرض على كتاب الله. وفي حديث الفيض بن المختار ـ المتقدّم ـ لم يرجع الصادق عليهالسلام معرفة الصحيح عند ما سأله عن الاختلاف الواقع بين الأحاديث إلى تلك الاصول الّتي كتبت في زمانه ولم يجر لها ذكر عند الأئمّة عليهمالسلام حين يسألهم أصحابهم عند الاختلاف والاشتباه بأن يرجع إليها لأنّها موجودة ثابتة عندهم وما خالفها كاذب ، بل أرجعهم الإمام عليهالسلام إلى كتاب الله أو الأخذ بما خالف العامّة ، لأنّ الظاهر من الموافق للعامّة أن يكون غير صحيح ، وربّما كان ذلك في مواضع كثيرة أولى من الحمل على التقيّة.
فعلم من ذلك : أنّ تلك الاصول لو كانت موجودة كان يحتمل فيها ما يحتمل في غيرها إلّا ما نصّ الأئمّة عليه بعينه وهو قليل منها. ولم يعلم التمكّن من الوصول إليها في زمن الكليني وغيره ، ولهذا صرّح الشيخ رحمهالله بأنّ اختلاف القدماء ما كان سببه إلّا اختلاف الأحاديث (١) وهو كذلك ، لأنّها لو كانت كلّها صحيحة لما جاز الاختلاف والتضادّ فيها ، وما احتاجوا إلى وضع كتب الرجال إلّا لأجل الاختلاف الواقع ليتميّز الصحيح من الضعيف. وبعد اطّلاع الكلينيّ رحمهالله ومن تأخّر عنه على حال الأحاديث وشكواهم من مزيد الاختلاف والتضادّ فيها وتنبيههم على ذلك وعلمهم بأنّه قد وضع المتقدّمون طريقا لاستعلام الصحيح منها من غيره ، لم يحسن منهم في ذلك الوقت أن يميّزوا ما صحّ عندهم من غيره ويدوّنوه ويتركوا الباقي ، للزوم ذلك ترك أكثر الأحاديث ، ولاحتمال ظنّهم بضعف راو وثبت غيرهم فيما بعد صحّته (٢) فدوّنوا منها ما حسن ظنّهم به وأحالوا معرفة صحيحها من غيره إلى ما يعلم من كتب الرجال ، وليس في ذلك تدليس ولا تلفيق ولا عدم تنبيه كما يدّعيه المصنّف ، بل ربّما أنّه ما كان عندهم ظنّ بأنّ عاقلا يتوهّم بأنّ الأحاديث كلّها صحيحة وأنّ الاصول الثابتة بالقطع عنهم عليهمالسلام موجودة في زمانهم بعد طول الزمان وأنّ الأخذ كلّه منها.
هذا ، مع تحقّق الاختلاف الّذي وقع في زمن الأئمّة وبعدهم بين العلماء في فتواهم. وما ذكره الشيخ رحمهالله ونبّه عليه في سبب احتمال ضعف الحديث من السهو والغلط والتصحيف والنقل بالمعنى وغير ذلك ممّا يوجب ارتفاع هذا الوهم عن أدنى من يكون له معرفة أو تعقّل ، فأيّ تنبيه
__________________
(١) انظر عدّة الاصول ١ : ١٣٦.
(٢) كذا ، والعبارة مشوّشة.