وأمّا تخيير المجتهد عند تعادل الأدلّة في نظره
فقد قال به جمع من متأخّري أصحابنا ، وهو باطل ، لعدم ظهور دلالة قطعية نقلية أو عقلية عليه ، ولصراحة الأخبار المتواترة المأخوذة عن العيون الصافية غير النافذة (١) في وجوب الرجوع إليهم عليهمالسلام في كلّ موضع لم نعلم حكمه ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، وبعد أن رجعنا إلى أحاديثهم عليهمالسلام وجدنا فيها قاعدة شريفة متواترة معنى متعلّقة بباب الخبرين المتعارضين مشتملة على بيان وجوه مترتّبة من الترجيحات. ومع فقدها تارة رخّصوا لنا بقولهم عليهمالسلام : « بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم » (٢)
______________________________________________________
التناقض المتوهّم عندهم في كلام الأئمّة عليهمالسلام فما كان يناسب عند هذا القصد حمل شيء من الأحاديث في كتابيه على التقيّة غالبا ، لأنّ مراده بالتأويل اشتهاره عند العامّة ليطّلعوا على دفع التناقض الّذي اعتقدوه أو توهّموه في كلام الأئمّة عليهمالسلام. فاندفع بذلك ما أوردوه عليه : من أنّ الحمل على التقيّة كان أولى من التوجيهات البعيدة.
وأمّا مناقضة ذلك لكلامه ثانيا ، فإنّ مقتضاه أنّ السبب الباعث له على جمع الأحاديث ما كان إلّا بسبب ما وقع فيها من الاختلاف والتضادّ الّذي أوجب رجوع بعض الناس عن الحقّ بسبب عدم تجويز هذا الاختلاف والتضادّ في كلام المعصومين عليهمالسلام فأراد رحمهالله إزالة الوهم الحاصل بسبب الاختلاف بأن يجمع بينهما بما يزيل الاختلاف ، وحينئذ ليس له وجه لذلك أظهر من حمل ما يخالف الحقّ على التقيّة حتّى يدفع هذا المحذور الّذي صرّح بالاهتمام بدفعه. وليس في هذا التوجيه ما يشعر بقصد دفع التضادّ عند العامّة ، فالجمع بين القصدين ـ كما هو المفهوم من كلام المصنّف ـ ظاهر التنافي والتناقض.
وأمّا اعتراض المتأخّرين على الشيخ ـ الّذي دفعه المصنّف عنه بدفع فاسد ـ لا يليق نسبته إلى مراد الشيخ رحمهالله فالظاهر أنّ منشأه مخصوص بما إذا كان المقام لا يناسب الحمل على التقيّة. وما يذكره من التأويل في نهاية البعد عن اللفظ والمعنى. واحتمال عدم الصحّة أمر ممكن قريب ، وقد اعترف في كثير منها بعدم الصحّة وتمام الضعف وردّ مقتضاها بذلك ، فالإيراد عليه رحمهالله مخصوص بذلك أو بمحلّ يقبل التقيّة ، ويرجع إلى غيرها من التأويل البعيد.
__________________
(١) كذا في خ وط ، والظاهر : غير النافدة.
(٢) الكافي ١ : ٦٦ ذيل ح ٧.