وثانيهما : ما حقّقناه ببراهين قاطعة من أنّ الظنّ المتعلّق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها غير معتبر شرعا.
الوجه الثاني : أنّه قد ورد من الشارع في بعض الصور حكم يوافق الاستصحاب الّذي اعتبروه ، وفي بعضها حكم يخالفه ، فعلم أنّ الاستصحاب بالمعنى الّذي اعتبروه ليس معتبرا شرعا.
ومن تأمّل في الأحاديث الواردة في حكم المتيمّم الّذي وجد الماء بعد دخوله
______________________________________________________
أن يثبت الحلّ حتّى يثبت الرافع. فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه فليس ذلك عملا بغير دليل ، وإن كان يعني به أمرا وراء ذلك فنحن مضربون عنه.
وأمّا ما ذكره من القيدين في المسألتين.
أمّا الاولى : فلأنّه قد ثبت أنّ صحّة التيمّم ليس مقيّدا بعدم طريان وجود الماء عليه بقول مطلق ، فإنّ وجوده بعد ركوع المصلّي لا يفسد التيمّم قولا واحدا بالنسبة لتلك الصلاة ، وقد ورد النهي عن قطع الصلاة مع الدخول فيها دخولا مشروعا ، فمن يدّعي جواز قطعها على هذه الحالة يحتاج إلى دليل ، ولو لا وجود الدليل على القطع قبل الركوع لقلنا به ، كما قاله الشيخ في المبسوط والخلاف : من أنّه يمضي في صلاته بالتلبّس بتكبيرة الاحرام (١) واختاره أيضا المرتضى (٢) وابن إدريس (٣) وبعض الروايات دالّة عليه (٤).
وأمّا الثانية : فلأنّ الاتّفاق واقع على أنّ نيّة إقامة العشرة قاطعة للسفر ، فبعد صلاة فريضة يلزم ويتأكّد حكم الإقامة واستصحابه حتّى يتحقّق تجدّد السفر ، فالرجوع إلى الحكم الأوّل في الحالتين معتضد بالدليل. وهذا طريق الأصحاب في العمل بالاستصحاب ، كما أشار إليه المحقّق (٥) ـ قدّس الله روحه ـ.
ومن جملة مواضع العمل بالاستصحاب مع الدليل : كلّ ما تضمّنه قوله عليهالسلام : « إيّاك أن تنقض اليقين بالشكّ » (٦) وأن متيقّن الطهارة مع شكّه في الحدث متطهّر وعكسه محدث. والمصنّف لم يتنبّه لهذا وجرى على عادته في الاعتراضات الواهية.
__________________
(١) المبسوط ١ : ٣٣ ، الخلاف ١ : ١٤١ ، الرقم ٨٩.
(٢) راجع المختلف ١ : ٤٣٥.
(٣) السرائر ١ : ١٤٠.
(٤) الوسائل ٢ : الباب ٢١ من أبواب التيمّم ، ح ٣.
(٥) راجع معارج الاصول : ٢٠٧.
(٦) راجع التهذيب ١ : ٤٢١ ، ح ٨.