أيضا ناطق بوجوب التوقّف فيما لم يكن حكمه بيّنا واضحا ، فلم يبق مجال للتمسّك بالأصل ولا بالاستصحاب ، إذ من شرط التمسّك بهما عدم بلوغ خطاب مخرج عنهما ، لا خطاب خاصّ ولا عامّ.
وفي أوائل الكافي في تفسير ( إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) روايات كثيرة نافعة فيما نحن بصدده ، من جملتها : عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث طويل : والله كذلك لم يمت محمّد إلّا وله بعيث نذير ، قال : فإن قلت لا فقد ضيّع رسول الله صلىاللهعليهوآله من في أصلاب الرجال من أمّته. قال السائل وما يكفيهم القرآن؟ قال : بلى إن وجدوا له مفسرا قال
______________________________________________________
في مثله إليه سابقا أيضا على أنّ اختلاف الاصوليّين في الإباحة الأصليّة إنّما هو في دليل العقل. وأمّا الشرع فكلام الشيخ رحمهالله في العدّة يقتضي أنّه لا نزاع في أنّه قد دلّ دليل الشرع على أنّ الأشياء على الإباحة بعد أن كانت على الوقف.
وممّا يدلّ على ذلك أيضا موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته يقول : كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك (١).
واعلم أنّ قول المصنّف : « فلم يبق شيء على مجرّد إباحته الأصليّة » مقتضاه : أنّ كلّ ما تحتاج إليه الامّة قد ورد فيه خطاب قطعيّ ، وذلك يقتضي أن تكون الإباحة من جملة ما ورد فيها دليل قطعيّ ، ونحن نقول بذلك ، ومن جملته البراءة الأصليّة ، فهي دليل على ثبوت حكم الله بالإباحة ، لا على نفي الحكم فيها ، إذ لا نعني بالإباحة الثابتة بالبراءة الأصليّة إلّا هذا المعنى ، لا الإباحة الّتي كانت قبل ورود الشرع المختلف في دلالة العقل عليها مع قطع النظر عن الشرع ، فكيف يلائم ذلك قوله : « فالتمسّك بالبراءة الأصليّة لا يجوز في نفي أحكامه تعالى »؟ لأنّا لم نتمسّك بها إلّا بعد ورود الشرع بالتمسّك بها عند عدم دليل الحكم بخلافها ، فهي دليل شرعيّ قد ثبت من الشرع التمسّك بها ، وهي راجعة إلى ما دلّ في الشرع على أنّ الأصل في الأشياء الإباحة إذا لم يدلّ دليل على خلافه ، فلو لم يدلّ عليها بالصريح قول الصادق عليهالسلام : « ما حجب الله علمه عن العباد موضوع عنهم » (٢) لدلّ على التمسّك بها الدليل الدالّ على أنّ الأصل في الأشياء الإباحة عند عدم الدليل على خلافه.
__________________
(١) البحار ٢ : ٢٧٣ ، ح ١٢.
(٢) البحار ٢ : ٢٨٠ ، ح ٤٨.