عبّر بالإيماء بمؤخّر العين ، ولا يخفى على أحد تلازم الإيماء بالأنف وصفحة الوجه ، وعدم إمكان انفكاك أحدهما عن الآخر ، فلا غَرْوَ (١) في التعبير عن أحدهما بالآخر ، فلا تغفل ولا تسارع إلى تغليط عالمٍ إلّا بعد الجهد في تصحيح مقاله.
ثمّ قال رحمهالله تعالى ـ : ( قوله : ( والإمام يومئ بصفحة وجهه يميناً ) (٢) ؛ لصحيحة عبد الحميد بن عوّاض : عن الصادق : صلوات الله عليه قال إن كنت تؤمّ قوماً أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك (٣) ، والظاهر من الكون على اليمين الإيماء بصفحة الوجه ، ولا مانع من حمله عليه ، يلجئنا إلى تأويله بنحو ما مرّ في حديث المنفرد. ثمّ إنه ربّما يتوهّم من استحباب هذا الإيماء استحباب التسليم ، أو عدم جزئيّته للصلاة ، فإنه التفات ، ومثل هذا الالتفات في الصلاة مكروه ، وهو مندفع بجواز مخالفة هذا الجزء الواجب لها كسائر أجزائها ).
أقول : بل المانعُ من حمله على الإيماء بصفحة الوجه بحيث يخرج عن حدّ الاستقبال عرفاً قائم ؛ لأنه جزء ممّا يجب الاستقبال به كلّه ، واستثناء هذا الجزء يحتاج إلى دليل يقاوم النصوص المجمع على العمل بها في مطلق الصلاة ، فيجب صرف هذا إلى ما لا يخرجه عن ذلك ، وهو ما يتحقّق به مسمّى الإشارة بالوجه وهو أدقّ المَيْل ، وهو ما عبّر بعضهم عنه بالمَيْل أو الإشارة بالأنف لتلازمهما ، وبهذا يظهر أنه لا يدلّ على استحباب التسليم ولا على عدم جزئيّته ، فتأمّله.
ثمّ قال رحمهالله : ( قوله : ( بمعنى أنه يبتدئ به ) (٤) إلى آخره ، يعني أنه الذي أراده المصنّف ؛ لأنه لمّا اعتبر الاستقبال في المنفرد لزمه اعتباره في غيره ؛ إذ لا وجه لاعتبار ما دلّ على الاستقبال في البعض دون البعض ، وكما يمكن الجمع بين الأدلّة
__________________
(١) الغَرْو : العَجَبُ. لسان العرب ١٠ : ٦٤ غرا.
(٢) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) ١ : ٢٧٩.
(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ٩٢ / ٣٤٥ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢٠ ، أبواب التسليم ، ب ٢ ، ح ٣.
(٤) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ١ : ٢٧٩.