لا تصلح دليلاً إلّا على الصنف الأوّل دون الثاني ، ولو فرض شمولها لهما لتدافعت مع الأخبار المذكورة في حكم الصنف الثاني ، ولا تناقض في السنّة. ولم يذكر أحد ذلك ولا تعرّض أحد للجمع بينهما ، وهو دليل على أن أحداً من العصابة لم يفهم الشمول منها لهما ، بل كلّهم فهموا تخصيصها بالدلالة على حكم الصنف الأوّل ؛ وهي المسمّاة بمستريبة الحيض في الخبر نفسه. وهو دليل واضح على اختصاصها بالصنف الأوّل. فإن الثانية ليست تستريب الحيض ، بل هي ذات عادة مستقرّة.
وأنت إذا تأمّلت الخبر لم يخف عليك اختصاصه بحكم الصنف الأوّل ، فلا يصحّ الاستدلال به على غيره ، ولا على أن حكم الصنف الثاني كالأوّل ، بل للثاني حكم على حدة ودليل على حدة ، كما سمعته من الأخبار المذكورة.
الثالث : أن ما ألزمهم به من اعتداد مَنْ يعتادها لأكثر من ثلاثة أشهر بالأقراء إذا طلّقت ، بحيث لا يسلم لها بعده ثلاثة بيض ولو كانت عادتها في سنين ، غير لازم ؛ لما عرفت من اختصاص كلّ منهما بحكم ، وأن هذه تعتدّ بالشهور على كلّ حال ، كما اعترف به هو ؛ لأن هذه غير داخلة في القاعدة التي أشار لها في حكم الصنف الأوّل. بل حاصل إشكاله وإلزامه أنهم غفلوا عمّا لا يغفل عنه ذو حجا ، وهم أجلّ من ذلك ؛ لأنهم أرباب الأفئدة والقلوب المستنيرة بشعاع نور المعصوم ، مع ما اعترف به من منافاة ذلك لما قالوه في أطول عدّة تفرض ، ولإطلاقاتهم في الصنف الثاني ، كالأخبار التي هي منهم بمرأى ومسمع ، وهم المستوضحون. وكيف يظنّ بهم أنهم غفلوا عمّا يلزمهم من الإشكال والمحال الذي لا مخلص منه لو لم يفرّقوا بين حكمي الصنفين ، مع شدّة وضوح الأمر؟!
الرابع : ظاهر قوله : ( ولو قيل بالاكتفاء بثلاثة أشهر إمّا مطلقاً أو بيضاً هنا ) (١) إلى آخره أنه لا قائل بشيء منهما ، مع أنك قد عرفت أن النصّ والفتوى ظاهران في أن هذه تعتدّ بثلاثة أشهر مطلقاً ، كما اعترف به هو ، مع أنه بعد هذا بلا فصل نقل
__________________
(١) مسالك الأفهام ٩ : ٢٣٩.