يداومون على الصلاة والدعاء عند الصباح والمساء لا شغل لهم غيره ، فيفتتحون يومهم بالدعاء ، ويختمونه به ، ويحتمل عموم العبادة وما يتقرّب به (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) رضوانه أو يريدون تعظيمه والقربة إليه ، دون الرياء والسمعة (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ) لا تتجاوز عيناك (عَنْهُمْ) بالنظر إلى غيرهم من أبناء الدنيا (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي تريد مجالسة أهل الشرف والغنى وكان النبيّ صلىاللهعليهوآله حريصا على إيمان العظماء طمعا في أيمان أتباعهم ، أولا تمل إلى الدنيا وزينتها قطّ ، ولا إلى أهلها ، ولمّا كان بعض الأحيان يميل إلى إيمان الرؤساء عوتب بهذه الآية ، وأمر بالإقبال على فقراء المؤمنين ، وأن لا يرجع بصره عنهم إرادة مجالسة الأشراف (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) أي من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا بتعريضه للغفلة هكذا في مجمع البيان (١) ويفهم منه الترغيب والتحريض بمجالسة الفقراء والصلحاء والعبّاد دون أهل الدنيا والأغنياء ، وهو ظاهر. قيل نزلت في سلمان وأبي ذرّ وصهيب وخبّاب وذويهم من فقراء أصحابه وذلك أنّ المؤلّفة قلوبهم جاؤا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله عيينة بن حصين والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا يا رسول الله إن جلست في صدر المجلس ونحّيت عنّا هؤلاء وروائح صنانهم وكانت عليهم جباب الصوف جلسنا نحن إليك وأخذنا عنك ، فلا يمنعنا عن الدخول عليك إلّا هؤلاء فلما نزلت الآية قام النبيّ صلىاللهعليهوآله يلتمسهم فأصابهم في مؤخّر المسجد يذكرون الله عزوجل فقال الحمد لله الذي لم يمتني حتّى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمّتي ، معكم الحياة والممات ، كذا في مجمع البيان (٢) أيضا.
الثالثة: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٣).
الآيات منصوب بأنّه اسم إنّ وخبره الظرف المقدّم عليه ، أي في إيجاد الله تعالى السموات والأرض وجعله اللّيل والنهار مختلفين باعتبار الخواصّ والأحوال
__________________
(١) المصدر : ج ٦ ص ٤٦٥.
(٢) المصدر : ج ٦ ص ٤٦٥.
(٣) آل عمران : ١٩٠.