قال القاضي : واعلم أنّ ظاهر الآية يدلّ على أنّ الخلع لا يجوز من غير كراهة وشقاق ، ولا بجميع ما ساق الزّوج إليها فضلا عن الزائد ، ويؤيّد ذلك قوله عليه الصّلاة والسلام : أيّما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير بأس فحرام عليها رائحة الجنّة وما روي أنّه عليه الصلاة والسلام قال لامرأة ثابت بن قيس أتردّين عليه حديقته؟ فقالت أردّها وأزيد عليها ، فقال عليهالسلام أمّا الزائد فلا (١) والجمهور استكرهوه ، ولكن نفّذوه ، فانّ المنع عن العقد لا يدلّ على فساده وأنّه يصحّ بلفظ المفاداة فإنّه سمّاه افتداء.
وفيه تأمّل لأنّها تدلّ على أنّ الأخذ من المرأة لتخليص نفسها لا يجوز إلّا مع الخوف لا عدم جواز العقد المثمر لذلك إلّا مع الكراهة وأيضا معلوم عدم الجواز من غير شقاق بل وقوعه أيضا في الخارج ، إنّما كان عليه أن يبين دلالتها على حصوله من الجانبين أو المرأة فقطّ أو الرجل وأيضا لا يعلم عدم جوازه بجميع ما ساق بل تدلّ على جواز الزائد فضلا عن الجميع لعموم (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) والأصل عدم تقييده وتخصيصه بشيء ممّا آتيتموهنّ وإن سبق ذلك وهو ظاهر ، والحديث الأوّل مؤيّد لعدم جواز سؤال الطلاق من غير بأس ، والحديث الآخر ، يدلّ على جوازه بجميع ما أخذت منه وعلى نفي الزائد [وهو مجمل] فان حمل على عدم الجواز فيدلّ على عدم إعطاء الزائد ، وأمّا إن حمل على عدم الاحتياج لأنّه كان راضيا بغير ذلك وهو الأولى للأصل والسوق فلا يدلّ ، وعلى تقديره قد يصحّ العقد ويملكه كما قال به ، وأيضا المنع على تقدير وقوعه وقع عن الجميع والزائد لا عن العقد.
فدلّ على عدم صلاحيته للعوضيّة وعدم ملكيّته للزوج عوضا عن الطلاق فلا معنى لصحّة العقد كما أنّ المنع في بعض المعاملات راجع إلى أحد الطرفين مثل عدم جواز بيع المجهول وحبل الحبلة والحصا وبيع السّفيه والطفل والربا وغير ذلك ، ويدلّ على الفساد وأيضا كون الخلع طلاقا كما قال ، والأظهر أنّه طلاق لأنّه فرقة باختيار الزوج فهو كالطلاق بالعوض غير ظاهر ، ودليله قياس في اللّغة
__________________
(١) راجع مشكاة المصابيح ص ٢٨٣ ، سنن أبى داود ج ١ ص ٥١٦.