فرقّوا فاجتمعت جماعة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون واتّفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين ، وأن لا يأكلوا اللحم ولا يناموا على الفراش ، ولا يقربوا النساء والطيب ويرفضوا لذّات الدنيا ويلبسوا المسوح أي الصوف ويسيحوا في الأرض أي يسيروا فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآله ذلك فقال لهم : إنّي لم اومر بذلك إنّ لأنفسكم عليكم حقّا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا ، فانّي أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتي النساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي ، والرواية مشهورة.
أو لأنّ النفس إليه أميل فلا دلالة في الآية على أنّ الرزق قد يكون حلالا وقد يكون حراما فالحرام يكون أيضا رزقا كما هو معتقد الجهّال والعوامّ الّذين يأكلون أموال الناس ويقولون هذا رزقنا الله ، وهو مقتضى مذهب الأشاعرة وإليه أشار القاضي بأنّه لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذلك الحلال فائدة زائدة ، وهو خيال باطل إذ ما يحتاج ذكر كلّ شيء إلى فائدة زائدة مع وجودها ، وهي هنا الإشارة إلى عدم معقوليّة المنع ، بأنّ ذلك حلال رزقكم الله ، فلا معنى للتحريم والمنع.
وبالجملة القيد قد يكون للكشف والبيان ، وقد يكون للإشارة إلى بيان عدم معقوليّة الاجتناب ، وأنّ ذلك الوصف هو الباعث لمذمّة التارك وقد يكون لغير ذلك وهنا يكفي الأوّلان.
فالآية دلّت على عدم جواز التجاوز عن حدود الله والتشريع ، وعدم حسن الاجتناب عمّا أحلّ الله ، ويحتمل أن يكون باعتقاد التحريم أو المرجوحيّة ، فلا ينافي الترك للتزهّد ، ولئلّا يصير سببا للنوم والكسل وقساوة القلب ، ولهذا نقل أن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما أكل خبز الحنطة ، وما شبع من الشعير ، وزهد أمير المؤمنين عليهالسلام مشهور ، ولكن ينبغي أن يكون ذلك باعتقاد التأسّي إلّا أنّه لو اجتنب لبعض الفوائد مثل كونه سببا لقلّة النوم وإصلاح النفس وتذليلها ، فالظاهر أنّه لا بأس به مع اعتقاد الحلّيّة.
وممّا يدلّ على أصالة إباحة ما ينتفع به قوله تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) كالمهد الّذي يمهّد للصبيّ فهي محلّ راحتكم (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) أي جعل